الوسم: المسيحية
الإسلام و الجزية، تاريخ من الخزي و العار – الجزء الثاني
في الجزء الأول من هذا المقال كنا قد بينا التأصيل الشرعي لمسألة الجزية و سبب نزولها في القرآن، و بينا الملابسات السياسية و الإجتماعية و الإقتصادية التي أدت إلى إضافة هذا الحكم الشرعي لبقية أحكام الإسلام في دولة محمد الناشئة و الضعيفة، و التي كانت في أمس الحاجة للموارد الإقتصادية.
رابط المقال : الجزية و بشرية القرآن (الجزء الأول)
في هذا الجزء سوف نتعرض لبعض النفاصيل الخاصة بالتطبيق العملي لفقه الجزية إبان الغزو الإسلامي العربي لبلدان الشرق الأوسط و شمال إفريقيا.
عند البحث في تاريخ الجزية، أول ما تجده أمام عينيك في كتب التاريخ لدينا، هو تلك المقارنة السمجة مع الحضارات السابقة، فالغالبية العظمى من المؤرخين المسلمين و العرب ينزعون نحو الحديث عن كون الجزية كتطبيق عملي ناتج عن الغزو و الحروب ليست من محدثات الإسلام، بل قديمة جدا و ترجع إلى أولى الحضارات التي دون الناريخ تفاصيلها، فقد فرضها الرومان على كافة مستعمراتهم بدون إستثناء بداية من غرب أوروبا و وصولا للشام، و فرضها الفرس على الفينيقيين، و اليونان على سكان سواحل آسيا الصغرى، و هذه المقارنة في حد ذاتها هي تعبير واضح عن إحساس ضمني بالخجل و الخزي من ممارسة بعيدة كل البعد عن المفاهيم الإلهية و الدينية المنزهة عن تصرفات البشر التي تهتم بمصلحتها الآنية أولا، غير أن أصل تنزيل الحكم و وروده في القرآن و تطبيق النبي له مباشرة بعد نزول الآية 29 من سورة التوبة، في غزوة تبوك، يحيلنا على حاجة بشرية ضرورية أولا، و لم تنزل الآية في القرآن إلا كتعبير مباشر عن هاته الحاجة و تشريع إلهي للممارسة كفعل حلال و مشروع يأمر به الله أتباعه من المسلمين. (أنظر المقال السابق).
و رغم كوننا نستنكر هاته المقارنة لكونها تضع الله في موضع البشر، لكن لا أحد ممن درسوا التاريخ يستطيع إنكار كون الممارسة ضاربة في التاريخ بشدة، فهي قديمة بقدم البشر، و بقدم أواى الغزوات التي قامت بها جماعات من البشر ضد القرى أو المستوطنات أو المدن الأولى التي عرفت إستقرارا جغرافيا نتج عنه إستقرار إقتصادي و توافر للموارد الطبيعية الضرورية (فلاحة، ماء، مراعي، قطعان حيوانات أليفة، خطوط تجارة أو محطات توقف القوافل)، و بهذا لم يخل التاريخ القديم من حضارة بشرية واحدة لم تلجأ للجزية كمدخول إقتصادي ثابت و وفير يستتبع كل التحركات العسكرية من غزو و إستعمار، و بنفس المنطق البشري الخالص لم تحد الدولة الإسلامية الوليدة عن هاته القاعدة الثابتة، فهي دولة ضعيفة بالمفهوم العسكري و محدودة جغرافيا، و تحتاج لتوفير موارد إقتصادية ثابتة و دائمة لإعاشة أتباعها، و الغزو (ما يسمى بالفتح في الأدبيات الإسلامية) كان هو الوسيلة المتوفرة آنذاك، أما الحكم الوارد في القرآن بخصوص الجزية، فهو ليس إلا تعبيرا “إلهيا” عن حاجة بشرية خالصة، تعبر عن الإنتهازية أكثر مما تعبر عن إرادة الله في خلقه.
على المستوى الفقهي كانت أحكام الجزية مثار خلاف دائم بين الفقهاء و الشيوخ، خاصة في ما يخص مقدارها و طريقة تأديتها، فالقرآن لم ينص على مقدار ثابت لها، لكن النبي محمد حدَّد ما يجب في المال من الزكاة، أما الجزية، فقد ذكر أنه قد أمر معاذًا أن يأخذ من كل حالِم دينارًا أو عدْله من المَعافر، وأخذ عمر بن الخطاب أكثر من ذلك في بعض الأحيان؛ حيث يروي أبو عبيد أنه قد فرض على أهلِ الذهب أربعة دنانير، وعلى أهل الورق أربعين درهمًا، ومع ذلك أرزاق المسلمين، وضيافتهم ثلاثة أيام عنوة، و قد كانت جزية أهل الشام أكثر من جزية أهل اليمن في عهد عمر بن الخطاب فالنبي قد أوصى بأهل اليمن قبل وفاته لم يوصي بأهل الشام. و قد فرض عمر على بني تغلب ضعْف الزكاة عندما أنِفوا من الجزية، و هذا الاختلاف في فرْض الجزية في عهد عمر بن الخطاب جعل الفقهاء يختلفون فيما بعد في تحديد مقدارها :
– المالكية: يرون أن الجزية غير مقدَّرة بحد أدنى أو أقصى، ويقدِّرها الأئمة تبعا للوضع الإقتصادي و الإجتماعي لسكان البلاد التي تم “فتحها” غزوها.
– والحنفية: يرون أنها على ثلاث فئات: الأغنياء ثمانية وأربعين درهمًا، و متوسطوا الحالة يدفعون أربعة وعشرين درهمًا، والفقراء يدفعون اثني عشر درهمًا، ولا يُزاد على ذلك ولا يُنقص، بينما صير أغلب دعاة تجديد “تدليس” الخطاب الديني أنها قد سقطت عن الفقراء بأمر النبي محمد، لكن واقع الأمر يؤكد عكس ذلك كما سنرى في التفاصيل التاريخية الواردة عن طريقة جمع الجزية في البلدان التي تم غزوها.
-أما الشافعية: فيرون أن الجزية لا يجوز أن تقل غلى دينار على الغني والفقير، ويجوز للولاة أن يَزيدوها مِثلما فعل عمر.
– أما الحنابلة: فيَروون عنهم الآراء الثلاثة السابقة، و هم أقرب لرأي المالكية، لكنهم يصرون على الأداء في وضع الذلة و الصغار تطبيقا للآية 29 من سورة التوبة.
و من أحكام الجزية كما قال أحمد بن إدريس (القرافي) في كتاب الفروق : ” إن قاعدة الجزية من باب التزام المفسدة الدنيا لدفع المفسدة العليا وتوفّع المصلحة، وذلك هو شأن القواعد الشّرعيّة، بيانه: أن الكافر إذا قتل انسدّ عليه باب الإيمان، وباب مقام سعادة الإيمان، وتحتم عليه الكفر والخلود في النار، وغضب الدّيّان، فشرع اللّه الجزية رجاء أن يسلم في مستقبل الأزمان، لا سيما باطّلاعه على محاسن الإسلام، و الإلحاح إليه بالذل والصغار في أخذ الجزية “.
و يحق لي أن أتساءل هنا، كيف لمن يتعرض للغزو و يفرض عليه إستعمار و إستيطان من شعب آخر بقوة السلاح و يفرض عليه أداء أتاوة مالية مدى الحياة لمستعمره مشروطة بالدفع على الذلة و الصغار، أن يحصل لديه إيمان أو إعتقاد صحيح بالدين أو أحكامه أو الأخلاق و القيم و المعاملات التي يدعو إليها، أو حتى يثق بكونه دينا حقا منزلا من عند الله الحق خالق كل شيء و العالم بكل شيء، بينما هذا الإله يشرع لمستعمره أن يحتل أرضه و يتملك امواله و يسيطر على موارده و يأخذ ماله بسلطة دينية لا جدال و لا نقاش معها، و إن إعنرض على الأمر خرج من عهد الذمة و أصبح ماله و عرضه و دمه و كل ما يملكه حلال لهذا المستعمر الغائر عليه من قلب صحراء الجزيرة … ؟؟!!!!
لا يتحمل هذا المشهد و لو ذرة واحدة من القداسة أو الألوهية التي يتخيلها المسلمون اليوم، بل هو في حقيقته مصدر للخزي و الخجل و العار في حق أمة تدعي كونها خير أمة أخرجت للناس، بينما أول ما عرف البشر من دعوتها للدين الجديد هو حد السيف و سرقة الأموال و نهب الممتلكات و سبي النساء و الأطفال، و كل ذلك بأمر إلهي، فالجزية في الإسلام ليست هي تلك التي تدفعها الدول المنهزمة للدول المنتصرة في حالات الغزو و الحرب و المواجهات العسكرية، فنحن هنا أمام تشريع ديني محض، يكون فيه دفع المال مفروضا لقاء حق الإحتفاظ بحرية المعتقد و الدين، فأين التسامح الإسلامي الذي صدعوا به رؤوسنا هنا … ؟؟!!!
و في تفسير القرطبي للآية 29 من سورة التوبة يقول : “وَ قَالَ اِبْن الْجَهْم : تُقْبَل الْجِزْيَة مِنْ كُلّ مَنْ دَانَ بِغَيْرِ الْإِسْلَام ….. فَقَالَ عُلَمَاء الْمَالِكِيَّة : وَجَبَتْ بَدَلًا عَنْ الْقَتْل بِسَبَبِ الْكُفْر. وَقَالَ الشَّافِعِيّ : وَجَبَتْ بَدَلًا عَنْ الدَّم وَسُكْنَى الدَّار. وَفَائِدَة الْخِلَاف أَنَّا إِذَا قُلْنَا وَجَبَتْ بَدَلًا عَنْ الْقَتْل فَأَسْلَمَ سَقَطَتْ عَنْهُ الْجِزْيَة لِمَا مَضَى”، فأما أنها لقاء حماية أهل الكتاب و الدفاع عنهم، فلا أدري عن أي دفاع يتحدث، و هم قوم مسالمون يعيشون في بلدانهم و لم يعتدوا على المسلمين في شيء، و لولا حكم جهاد الطلب الذي نعرفه جميعا لما إلتقى هؤلاء بهؤلاء، و التهديد بالوقوع تحت السيف و سلب المال و نهب الأرض و سبي الذرية قد جاء من أصحاب الدعوة للدين الجديد في شكل جديد من أشكال التبشير الديني لم يكن العالم يعرفه من قبل لا في المسيحية و لا في اليهودية و لا حتى في ما سبقها من الديانات الوثنية الأخرى.
و يقول إبن سعد في كتابه الطبقات الكبرى عن عمرو بن العاص عند غزو مصر : “وضع الجزية علي جماجم أهل الذمة فيما فتح من البلدان..”، أما إبن القيم فقدِ سماها «خراج رؤوس الكفار» فيقول :”الْجِزْيَةُ هِيَ الْخَرَاجُ الْمَضْرُوبُ عَلَى رُءُوسِ الْكُفَّارِ إذْلَالًا وَصِغَارًا”. و مما يرويه المقريزى في كتابه المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار :” قدم صاحب أخنا على عمرو بن العاص رضي اللّه عنه فقال له: أخبرنا ما على أحدنا من الجزية فنصير لها. فقال عمرو و هو يشير إلى ركن كنيسة : لو أعطيتني من الأرض إلى السقف ما أخبرتك ما عليك إنما أنتم خزانة لنا إن كثر علينا كثرنا عليكم وإن خفف عنا خففنا عنكم “، و حتى عندما إقترح عمرو بن العاص على عمر بن الخطاب أن يقوم بغزو مصر، لم يكن ذلك بعدف نشر الإسلام و إنما بقوله : ” يا أمير المؤمنين . إئذن لى أنْ أسير إلى مصر. هى أكثر الأرض أموالا. وأعجزها عن القتال والحرب “، فالهدف واضح و بين هنا، فالغزو قد كان بدافع الحثول على المال و الموارد التي تنقص الدولة الفتية، و لعلم عمرو بن العاص حينها بأن أهل مصر ليسوا بأصحاب حرب و لا قتال، فهم واقعون تحت الإحتلال البيزنطي لقرون، و أكثر الناس خضوعا له، منا يسهل عملية غزوهم و إستعمار بلادهم، و نحن هنا بعيدون تماما عن تلك الصورة المغرقة في النبل التي تكتنف صفحات كنب التاريخ الإسلامي عندما يتحدث عما يسمونه “بالفتوحات الإسلامية”، فتلك الفتوحات لم تكن إلا إستكمالا لممارسات عرف بها عرب الجزيرة فيما بينهم قبل قرون من مجيء الإسلام، هذا الدين الجديد الذي أبقى على تلك العادات و لم يقف عند ذلك الحد بل شرعها بأوامر إلهية واضحة في القرآن و رغب فيها أتباعه.
بل إن عمرو بن العاص قد تمادى في أحكامه الجائرة على أقباط مصر و التي أقره عليه الخليفة عمر بن الخطاب و لم يأمره بتركها، ففرض على أهل مصر أن يستضيفوا كل عربي يدخل مدنهم و قراهم وسط بيوتهم و عائلاتهم مدة ثلاثة أيام دون أدنى سؤال أو إعتراض، و زاد عن ذلك بأن أقر ملكية كل عربي لأي بيت يضرب رمحه وسطه حتى لو كان له أصحاب ” من ركز رمحه فى دار فهى له ولبنى أبيه”، فهؤلاء كفار و مشركون بحكم إلهي، و معترضون على الدين الحق الذي جاءهم ذكره في التوراة و الإنجيل من قبل، و ما يقع عليهم من الذلة و الصغار و المهانة هو جزاء الله على جحودهم لهذا الدين الذي جاء به رسوله. و سوف تذكر كتب التاريخ أبد الدهر تلك الجملة المخزية التي نادى بها عمرو بن العاص في أقباط مصر بعد قدر عليهم و إستسلموا لحكمه، حيث قال : ” من كتمنى كنزًا عنده فقدرت عليه قتلته “، و يحكى حينها أن كافة أعل مصر قد أخرجوا ما لديهم من ذهب و فضة و أموال خوفا من تهديده الصريح لهم بالقتل، و تهديد عمرو بن العاص رغم فظاظته لا يخرج عن سنة النبي محمد فيما سبق، فقد ورد في سيرة إبن هشام عن إبن إسحاق في حرب يهود بني النضير : ” و أتى رسول الله بكنانة بن الربيع وكان عنده كنز بني النضير فسأله عنه، فجحد أن يكون يعرف مكانه فأتى رسول الله رجل من يهود فقال لرسول الله : إني رأيت كنانة يطيف بهذه الخربة كل غداة فقال رسول الله لكنانة أرأيت إن وجدناه عندك ، أأقتلك قال نعم. فأمر رسول الله بالخربة فحفرت فأخرج منها بعض كنزهم ثم سأله عما بقي فأبى أن يؤديه فأمر به رسول الله الزبير بن العوام ، فقال عذبه حتى تستأصل ما عنده فكان الزبير يقدح بزند في صدره حتى أشرف على نفسه – أي عذبه بالنار حتى أشرف على الموت- ثم دفعه رسول الله إلى محمد بن مسلمة فضرب عنقه بأخيه محمود بن مسلمة “. فالفعل هنا ثابت في السيرة النبوية و لم يفعل أكثر من تطبيق سنة نبيه فيما سبق.
و في عام المجاعة بعث عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص كتابا يقول فيه : ” إلى العاص بن العاص . فإنك لعمرى لا تبالى إذا سمنتَ أنت ومن معك أنْ أعجف أنا ومن قبلى . فياغوثاه ياغوثاه . فكتب إليه عمرو بأنه سيرسل له قافلة من العير أولها عندك وآخرها عندى “، فمصر إذن ليست إلا خزينة لعرب الجزيرة و دولتهم الجديدة، يأخذون منها ما أرادو متى أرادوا و بتشريع إلعي سماوس لا يملك مسلم واحد أن يناقشه اليوم، فالحكم ثابت في القرآن بالنص الواضح و بإجماع أئمة المذاهب الأربعة.
و جدير بالذكر أن الجزية قد بقيت مضروبة على نصارى و أقباط مصر منذ الغزو الإسلامي إلى عام 1855 حين قام الوالي سعيد إبن محمد علي بإصدار مرسوم إلغاء تام لها مع كل الشروط التي ترافقها مثل منع الأقباط من دخول الجيش و إنشاء مدارس و كليات خاصة بهم، بل سمح لهم حتى بممارسة طقوسهم الدينية داخل الجيش بكل حرية، منهيا بذلك تاريخا طويلا من العنصرية و القهر و الظلم في حق أقلية دينية تعتبر هي أصلا صاحبة الأرض، و لا يفوتني أن أذكر هنا أن مرسوم الإلغاء هذا قد أثرا مشكلة كبيرة مع شيوخ الأزهر و فقهاءه، إذ أن رواتبهم كانت تدفع من الجزية التي تتم جبايتها من الأقباط كل سنة. و قد قامت باقي الولايات العثمانية بإصدار مراسيم إلغاء مشابهة بدءا من عام 1857.
و لنترك مصر جانبا و نتجه شمالا صوب بلاد الشام، لنتحدث قليلا عما يسمى بالعهدة العمرية و هي كتاب عمر ابن الخطاب لأهل إيلياء ” القدس” بعد “فتحها عام 638 ميلادية.
نص العهدة العمرية عن كتاب “أحكام أهل الذمة” لإبن القيم الجوزية
عن عبد الرحمن بن غنم :
كتبتُ لعمر بن الخطاب رضي الله عنه حين صالح نصارى الشام، وشرَط عليهم فيه :
الا يُحدِثوا في مدينتهم ولا فيما حولها ديراً ولا كنيسة ولا قلاية ولا صومعة راهب،
ولا يجدِّدوا ما خُرِّب،
ولا يمنعوا كنائسهم من أن ينزلها أحدٌ من المسلمين ثلاث ليالٍ يطعمونهم،
ولا يؤووا جاسوساً،
ولا يكتموا غشاً للمسلمين،
ولا يعلّموا أولادهم القرآن،
ولا يُظهِروا شِركاً،
ولا يمنعوا ذوي قرابتهم من الإسلام إن أرادوا،
وأن يوقّروا المسلمين،
وأن يقوموا لهم من مجالسهم إذا أرادوا الجلوس،
ولا يتشبّهوا بالمسلمين في شيء من لباسهم،
ولا يتكنّوا بكناهم،
ولا يركبوا سرجاً،
ولا يتقلّدوا سيفاً،
ولا يبيعوا الخمور،
وأن يجُزُّوا مقادم رؤوسهم،
وأن يلزموا زيَّهم حيثما كانوا،
وأن يشدّوا الزنانير على أوساطهم،
ولا يُظهِروا صليباً ولا شيئاً من كتبهم في شيءٍ من طرق المسلمين،
ولا يجاوروا المسلمين بموتاهم،
ولا يضربوا بالناقوس إلا ضرباً خفيفاً،
ولا يرفعوا أصواتهم بالقراءة في كنائسهم في شيء من حضرة المسلمين،
ولا يخرجوا شعانين،
ولا يرفعوا أصواتهم مع موتاهم،
ولا يَظهِروا النيران معهم،
ولا يشتروا من الرقيق ما جَرَتْ عليه سهام المسلمين،
فإن خالفوا شيئاً مما شرطوه فلا ذمّة لهم،
وقد حلّ للمسلمين منهم ما يحل من أهل المعاندة والشقاق، ”
و فوق كل ما سبق ذكره فقد فرض عمر على أهل القدس أداء الجزية، و لكم أن تتخيلوا من كمية الشروط و القيود التي فرضت على مسيحيي القدس قدر الإجحاف و الظلم الذي وقع عليهم، فهذه الوثيقة هي ترجمة لإرادة مستعمر قام بغزو بلد بقوة السلاح و سيطر على شعبها و مقدراتها و فرض نظاما سياسيا و إجتماعيا و إقتصاديا و دينيا يستحوذ فيه على كل شيء و يفرض به دينه بالقوة على الشعب الواقع تحت سلطته الغاشمة، و من يرفض فعليه أن يؤدي إتاوة لقاء الإحتفاظ بحياته و بحقه في الإعتقاد بالدين الذي يريده، و بجانب ذلك يصبح مجبرا على العيش على الهامش تماما مقصيا من كل أشكال الحياة العامة بما فيها من أنشطة طبيعية قد يمارسها أي شخص بمنتهى الحرية، مثل حرية العبادة و ممارسة الطقوس الدينية و بناء دور العبادة، بل هو مجبر على تمييز نفسه عن المسلمين بحلاقة شعر محددة و لباس معين و عليه أن يخلي الطريق للمسلم عند مروره و ينهض له من مكانه لكي يجلس فيه، كما أنه ممنوع من حمل السلاح أو ركوب الخيل، أو حتى الظهور بعلامات مميزة لإعتقاده الديني، و لا يحق له منع أي مسلم من دخول الكنيسة بل يجبر على إستضافته داخلها لثلاثة أيام أكلا و شربا و مبيتا، و هذا غيض من فيض. إذا لم يكن كل ما ذكر أعلاه قمة العنصرية و التطرف و الإقصاء فماذا يكون، و كأني أقرأ مرسوم القوات الألمانية النازية الذي فرضته على يهود بولونيا حين غزت البلد و سيطرت عليه لأكثر من خمس سنوات إبان الحرب العالمية الثانية … !!!
تاريخ الجزية كحكم ديني مؤكد بنص من القرآن و كممارسة سياسية و إقتصادية و دينية مجحفة يمثل إحدى أكثر مظاهر التطرف و العنصرية الإسلامية إثارة للعار و الخزي، و مهما إدعى الشيوخ و رجال الدين اليوم من الكذب و التدليس حول كونها مماثلة لفريضة الزكاة أو تعويضا عن الدفاع عن أهل الكتاب في حالة الحرب هو محض إفتراء كبير، و لعل ابرز دليل على ذلك هو كون عصابات داعش و جبهة النصرة في العراق و سوريا لم تتردد لجظة واحدة في تطبيق هذا الحكم على من وقع تحت أيديها من الأقليات المسيحية في الشرق الأوسط، فهم بذلك يطبقون حكما إلهيا لا شبهة في صحته و لا مشروعيته.
مهدي بوعبيد
14/09/2018
الأديان الإبراهيمية : التوحيد تعبير عن طموح سياسي و ليس رغبة إلهية
قال: ثم ضرب به الثالثة فلمعت برقة أخرى، قال: قلت بأبي أنت وأمي يا رسول الله، ما هذا الذي رأيت، لمع تحت المعول وأنت تضرب؟
قال: «أوقد رأيت ذلك يا سلمان؟» قال: قلت: نعم.
قال: «أما الأولى فإن الله فتح علي باب اليمن، وأما الثانية فإن الله فتح علي باب الشام والمغرب، وأما الثالثة فإن الله فتح علي بها المشرق».
الجزية و بشرية القرآن (الجزء الأول)
لا يستطيع أحد إنكار هالة القداسة الضخمة التي تحيط بالقرآن ككتاب يقدسه مئات الملايين من المسلمين منذ أكثر من 1400 سنة، و هي قداسة لن نحاول الدخول في أسبابها و تفاصيلها التي لا تخفى على الباحثين المتخصصين، لكن عندما تتوفر الجرأة و الإرادة للتعامل مع النص بتجرد و موضوعية، لا تملك إلا أن تعترف بأن الكثير من آياته تفقد هالة القداسة تلك، فالقراءة المتجردة تضعك أمام كلمات و جمل تحمل الكثير من المعاني التي تجعلها أقرب للمنطق البشري أكثر من قربها للمفهوم الإلهي، ذلك المفهوم الذي من المفترض أنه منزه عن كل ما يرتبط بالحاجات الدنيوية التافهة.
لنأخذ على سبيل المثال ما يسمى بآية الجزية، إنها الآية 28 و 29 من سورة التوبة، و هي تقول :
” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَٰذَا ۚ وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاءَ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28)قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29) “
الآية الأولى تتضمن أمرا واضحا بطرد المشركين من أرض المسجد الحرام و منعهم من دخولها، و كلنا نعلم أن التأثير المباشر لهكذا أمر هو توقف قوافل التجارة عن دخول مكة كما كانت تفعل قبل ظهور الإسلام، مع ما ينتج عن ذلك من أزمة إقتصادية تؤثر على معيشة الناس بعد إنحسار التجارة القادمة من باقي مدن و حواضر الجزيرة العربية التي لم تدخل الإسلام بعد و بالتالي ما زالت في معظمها على الوثنية التي يسميها الإسلام شركا، و لهذا نجد بقية الآية تتحدث عن كون الله سوف يغني المسلمين إن هم خافوا “العيلة” أي الفقر و الفاقة بانقطاع تجارة المشركين عنهم. ثم يستمر الأمر المباشر في الآية التي تليها، فنجد الله يأمر المسلمين بقتال الذين لا يؤمنون بمجموعة من الأحكام التي يحددها في الإيمان بالله و اليوم الآخر بما يستتبعه من حساب و عقاب و ثواب، و لا يحرمون ما حرم الله و رسوله، و لا يدينون بالدين الحق، أي الإسلام، ثم ينهي الأمر بتحديد المعنيين به و هم الذين أوتوا الكتاب، أي اليهود والنصارَى، و إختيار كلمة الإتيان هنا ليس عشوائيا، فهو كناية عن كون الله قد حدد و بين لهم هذه الأحكام و الشرائع في الكتب التي أنزلها عليهم من قبل، أي التوراة و الإنجيل، لكنهم إستكبروا و عاندوا و جحدوا الحق اﻹلهي و خاصة ما يقوله محمد من أن إسمه و رسالته و أمته مذكورون في ما سبق عندهم من الكتب المقدسة، و هذا ما يثبت عليهم الحجة في الكفر و الإنكار و يوضح جريمتهم التي جعلت الله يأمر المسلمين بقتالهم في القرآن.
لكن نهاية الآية الثانية هنا تضعنا أمام غاية أخرى ترتبط بالأمر الأول، فمنع المشركين من دخول الأراضي المقدسة عند المسلمين سوف يمنع عنهم سبل التجارة مما سوف يتسبب بفقرهم، و غاية الأمر بالقتال في الآية الثانية هي تنفيذ للوعد الإلهي السابق ذكره بالتعويض عن الفقر و الحاجة، فنجد الأمر بالقتال ينتهي بفرض الجزية على أهل الكتاب، كخيار ثاني إلى جانب المواجهة و السيف، و لا تكتفي الآية بطرح الجزية فحسب بل توضح حتى الوضع الذي يجب تأديتها عليه فتشترط الدفع الذي يترافق مع الذلة و الصغار، و هي قمة المهانة بالنسبة لأهل الكتاب، و ذلك في صورة واضحة من صور العقاب الدنيوي الذي فرضه الله عليهم لكونهم رفضوا نبوة محمد و كفروا بدعوته و كتابه و أحكامه.
طيب ما هي الجزية إذن : ذكر الرزاي أيضا في تفسيره للآية 29 من سورة التوبة : ” الجزية هي ما يعطي المعاهد على عهده، وهي فعلة من جزى يجزى إذا قضى ما عليه ” أي أنها قدر من المال يدفعه الكتابي لإمام المسلمين، وهي فعلة من الجزاء كأنها جزت عن قتله، و لهذا يسمى دافع الجزية بالذمي فالقدر الذي يدفعه من المال هو ما يحفظ له حقه في الحياة و هو رافض لشريعة محمد و دينه و متى رفض دفعه يصبح دمه و ماله و عرضه و كل ما يملكه حلال للمسلمين، فالعهد هنا قائم بدفع الجزية و ليس بمفهوم التسامح و القبول بالآخر رغم إختلاف معتقده الديني. لكن ما يثير الحيرة في هذه المسألة هو كوننا أمام نص يفترض أنه إلهي، مقدس و منزل من اللوح المحفوظ من فوق سبع سماوات، فهذا الحكم ليس إجتهاد فقهاء و لا إجماع علماء بل هو كلام الله المرسل إلى نبيه، نعم الله خالق كل شيء الكون و الأرض و السبع سماوات، الله مطلق القوة و الرحمة و العلم بكل شيء، بما كان و سيكون، لكنه مع ذلك يفرض على البشر الذين خلقهم و أرسل لهم أنبياء و رسل بأديان سماوية مختلفة، أن يختاروا بين ثلاث، ترك دينهم و إتباع دين جديد جاء به رجل من أعماق الصحراء يقول بأنه نبي مرسل بالدين الحق، أي النسخة النهائية و الوحيدة التي قرر أن تتبعها البشرية كلها بدون إستثناء، أو أن يواجهوا القتال و السيف مع ما يتبع ذلك من قتل و نهب للأموال و الأملاك و سبي للنساء و الذرية، أو أن يدفعوا الجزية لكي يحتفظوا بحياتهم و القليل جدا من كرامتهم، و هنا يصعب جدا على على العقل أن يتقبل أن خالق الكون الذي إرتضى للناس دينا جديدا لن يقبل منهم غيره يوم القيامة، يفضل أن يتركهم على أديانهم الباطلة كما هم و يأمر نبيه و أتباعه بأن يأخذوا منهم مالا عوضا عن ذلك، أي إله هذا الذي يقبل تعويضا ماديا عن الإيمان به و بسلطته المطلقة على مخلوقاته، أي إله هذا الذي يشرع إتاوة على البشر لقاء حقهم في الحياة التي منحها لهم، أي إله هذا الذي يشرع أحكاما دينية هي أقرب لمعاملات المافيا منها لتلك القداسة الإلهية التي يفترضها الدين بمفاهيم مثل التوحيد و التسليم و الرضى بقضاء و قدر الخالق مطلق القوة و الرحمة و العلم … ؟؟!!!!
لكن مهلا، لنأخذ القصة من جانب آخر أكثر واقعية و موضوعية، بل لنأخذ النص على حقيقته كما هو، لا كما يراه المؤمنون، فقد منع المشركون من دخول مكة و المدينة، و كما قلنا قبل ذلك فهذا يعني وضعا جديدا تنقطع فيه قوافل التجارة و سبل البيع و الشراء، مع ما يعنيه ذلك من فقر و فاقة، و النص هنا ليس إلا تأسيسا لوضع إقتصادي جديد يسمح للمسلمين بالحصول على مصادر دخل جديدة تعوضهم عما فقدوه بإنقطاع قوافل التجارة عن مدنهم، و هذا المصدر ليس إلا إتباعا لسنة القبائل العربية التي دأبت عليها من قبل ظهور الإسلام، و هي الغزو و ما يرافقه عادة من سبي و سلب و نهب في حق المنهزمين، و الفارق الوحيد هنا هو أن المسلمين قد بات من حقهم حتى بعد الغزو و الغنيمة، أن يفرضوا إتاوة أبدية و دائمة على هؤلاء المنهزمين؛ بشرعية إلهية مطلقة، هو إذن نهب و سلب منظم و مشروع دينيا، لا يعاقب الله عليه، بل يأمر به و يحض عليه المؤمنين و يصرح لهم به على أنه حلال لا شبهة حوله.
و قد تلى نزول هذه الآية مباشرة غزوة تبوك في رجب من العام 9 للهجرة، و هي آخر الغزوات التي خاضها محمد قبل وفاته، حيث هاجم أراض تقع تحت سلطة الإمبراطورية البيزنطية في شمال الجزيرة العربية، و مع أن المعركة النهائية لم تقع فعليا، فقد كان الدافع الرئيسي وراءها هو الحصول على مداخيل مادية في عام من القحط و الجذب الذي أصاب الجزيرة العربية و ترافق مع فقر شديد عجز معه الرسول عن جمع ما يكفي من المال لتجهيز جيشه بما يلزمه من سلاح و دواب و مؤن. و يقول ابن كثير في تفسيره : «أن الله سبحانه لما أنزل قوله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا”، قالت قريش ، كما ورد عن ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وقتادة والضحاك وغيرهم، وكان ذلك بعد فتح مكة: “لينقطعن عنا المتاجر والأسواق أيام الحج، وليذهبن ما كنا نصيب منها، فعوضهم الله عن ذلك، بالأمر بقتال أهل الكتاب، حتى يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون.» ويرى ابن كثير أن سبب الغزوة هو استجابة طبيعية لفريضة الجهاد؛ ولذلك عزم الرسول محمد قتال الروم؛ لأنهم أقرب الناس إليه، جاء في سورة التوبة: ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ “.
و قد إختاف العلماء في تحديد مقدار الجزية لأن النص لم يحدده، و يقول القرطبي في تفسيره :
” لم يذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه مقدارا للجزية المأخوذة منهم. وقد اختلف العلماء في مقدار الجزية المأخوذة منهم، فقال عطاء بن أبي رباح: لا توقيت فيها، وإنما هو على ما صولحوا عليه. وكذلك قال يحيى بن آدم وأبو عبيد والطبري، إلا أن الطبري قال: أقله دينار وأكثره لا حد له. واحتجوا بما رواه أهل الصحيح عن عمرو بن عوف: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صالح أهل البحرين على الجزية. وقال الشافعي: دينار على الغني والفقير من الأحرار البالغين لا ينقص منه شيء واحتج بما رواه أبو داود وغيره عن معاذ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه إلى اليمن وأمره أن يأخذ من كل حالم دينارا في الجزية. قال الشافعي: وهو المبين عن الله تعالى مراده. وهو قول أبي ثور. قال الشافعي: وإن صولحوا على أكثر من دينار جاز، وإن زادوا وطابت بذلك أنفسهم قبل منهم. وإن صولحوا على ضيافة ثلاثة أيام جاز، إذا كانت الضيافة معلومة في الخبز والشعير والتبن والإدام، وذكر ما على الوسط من ذلك وما على الموسر وذكر موضع النزول والكن من البرد والحر. وقال مالك فيما رواه عنه ابن القاسم وأشهب ومحمد بن الحارث بن زنجويه: إنها أربعة دنانير على أهل الذهب وأربعون درهما على أهل الورق، الغني والفقير سواء ولو كان مجوسيا. لا يزاد ولا ينقص على ما فرض عمر لا يؤخذ منهم غيره. وقد قيل: إن الضعيف يخفف عنه بقدر ما يراه الامام. وقال ابن القاسم: لا ينقص من فرض عمر لعسر ولا يزاد عليه لغنى. قال أبو عمر: ويؤخذ من فقرائهم بقدر ما يحتملون ولو درهما. وإلى هذا رجع مالك.”
و في تفسيرات أخرى تكون الجزية على نوعين إما صلحية أو عنوية، و الصلحية هي تلك التي تضرب على من منعوا المسلمين من الإستيلاء بالقتال على بلدانهم و أنفسهم و أهاليهم و أموالهم، و تحدد قيمتها بما يتفق عليه الطرفان عند الصلح، و أقلها دينار و لا يحدد لها سقف أعلى إذ يبقى تحديد القدر حكرا على الإمام أو الخليفة. أما العنوية فهي تلك التي تفرض على أهالي البلدان التي فتحت عنوة بالقتال و تحت السيف، و تحدد بأربعة دنانير ذهبية على أهل الذهب، أي أغنياء القوم و أربعون درهما فضيا على من هم أقل منهم منزلة، و لنعقد مقارنة بسيطة مع قيمة الذهب اليوم، فقيمة الدينار الذهبي محددة في 4،25 غراما من الذهب، أي أن 4 دنانير هي ما يعادل اليوم 677,45 دولارا في السنة، تلك هي قيمة التعويض عن الإيمان بالإسلام اليوم.
الآن و بعد كل ما سبق ما تفصيله أعلاه، ألا يبدو النص أقرب لرغبات و هوى و إرادة البشر منه لإرادة الخالق، فلا أرى الخالق إلا منزها عن أمور الدنيا من أموال و أملاك و ذهب و فضة، فلا يليق به النزول لهذا المستوى الذي يبقى مجالا بشريا محضا يتصارع حوله البشر كما هي عادتهم منذ الأزل … ؟؟!!!!
في الجزء الثاني من هذا المقال، سوف نعود لتفاصيل أكثر أهمية عن موضوع الجزية، لنوضح طريقة و حيثيات و ظروف أداءها و نسرد تفاصيل دقيقة في هذا الباب من تاريخ الغزو الإسلامي للشعوب المجاورة و ما فرض على أهلها، و سيكون من بينها شرح و تفصيل لما يسمى بالعهدة العمرية، و هي بمثابة تأصيل ثابت في الإسلام لمسألة الجزية و كيفية التعامل مع أهل الذمة ممن أوتوا الكتاب.
مهدي بوعبيد
20/04/2018
ميثرا … المسيح الوثني بين الهندوسية و الزرادشتية – الجزء الأول
هو إله هندو-إيراني قديم يعود أصله إلى حقبة ما قبل إنفصال الحضارتين الهندية و الفارسية القديمة، و لعل هذا هو سبب وجود أنشودة كاملة بإسمه في كتاب (الريغ فيدا) الهندوسي المقدس، رغم أن ميثرا لم يعد له وجود في مجمع الآلهة الهندوسية بعد انفصال الحضارتين قبل آلاف السنين.
هل الإنجيل كتاب وحي منزل من السماء .. ؟؟
الأناجيل ليست كتبا مقدسة نزلت بها الملائكة على عيسى المسيح ثم حرفت فيما بعد كما يخيل للمسلمين اليوم؛ بل هي في مجملها قصة حياة عيسى و كلامه و عظاته و خطبه و أسفاره كما كتبها رفاقه و حوارييه و رهبان كثر من بعدهم و فيها تفاصيل عديدة متناقضة و غير مترابطة أو متشابهة بين إنجيل و آخر، و إلى جانب الأناجيل الأربعة الرسمية التي إعترف بها مجمع نيقية المسكوني عام 325 للميلاد، هناك عشرات الأناجيل الأبوكريفية الأخرى التي تم منعها و إحراقها و تحريم تداولها بين الناس و ذلك بأمر من الإمبراطور الروماني قسطنطين بعد أن أكد قرار المجمع المسكوني.
الأناجيل الأربعة الرسمية المضمونة في الكتاب المقدس اليوم و المعترف بها من الكنيسة الكاثوليكية هي :
إنجيل متى، إنجيل مرقس، إنجيل لوقا، إنجيل يوحنا.
الأناجيل الأخرى أو المسماة بالمنتحلة أي الغير المعترف بها في الكتاب المقدس هي :
إنجيل توما، إنجيل الحق، إنجيل فيلبس، إنجيل مريم المجدلية، إنجيل يهوذا، إنجيل الطفولة العربي، إنجيل مني، إنجيل مرسيون، إنجيل السبعين، إنجيل الإثنى عشر، إنجيل العوالم الأربعة السماوية، إنجيل الحسن، إنجيل حواء، إنجيل الناصريين، إنجيل رادوسلاف، إنجيل برنابا، إنجيل برثولوماوس، إنجيل برلين المجهول، أناجيل البهناسة، إنجيل إقرتون، إنجيل الأبيونيين، إنجيل العبرانيين، إنجيل المصريين القبطي، إنجيل المصريين اليوناني، إنجيل مرقس السري، إنجيل يعقوب، إنجيل متياس، إنجيل بطرس، إنجيل برلين المجهول، الإنجيل الرباعي.
و بعض هذه الأناجيل كتب في القرن التاسع و العاشر الميلادي، أي أكثر من 1000 سنة بعد تاريخ وفاة المسيح المفترض، و عدد منها تم اكتشافه بعد العثور على مخطوطات البحر الميت (مخطوطات قمران)و مخطوطات نجع حمادي في النصف الأول من القرن العشرين. و منها ما هو مكتوب بالعبرية و القبطية و الآرامية واليونانية القديمة، و كلها تجمع تفاصيل متناقضة و مختلفة فيما بينها حول نفس الشخصيات و الأحداث، بل هناك نسخ مختلفة و متناقضة من نفس الكتاب.
النقطة الأهم الآن هي أنك عندما تحاول إقناعي بأن الإنجيل قد تنبأ بمجيء النبي محمد ورسالته النهائية كخاتمة لرسائل النبوة الإلهية و ذلك عبر ذكر إسمه، فأنت تهذي بهراء غير منطقي و لا أساس له من الصحة، فلا يوجد هناك إنجيل واحد محدد بل أناجيل عديدة و هي كلها كنب غير منزلة من السماء بل كتبها أشخاص محددين من بينهم رهبان وكهنة ينتمون لمختلف المذاهب النصرانية والمسيحية التي عرفها التاريخ، و مرة أخرى لولا رغبة الإمبراطور في اتخاذ دين جديد يوحد به سلطة إمبراطوريته الضخمة لما وجدت هناك ديانة مسيحية و لا أناجيل، بل لكانت اليوم مجرد كتب تاريخية تتم دراستها مثل الملاحم السومرية والبابلية و الهندية (جلجامش و إينوما إيليش، و المهابهاراتا و البهاجافادجيتا) أو مثل كتب الموتى المصري القديم الذي وجدت بردياته و تمت دراستها و ترجمتها.
أروع شيء في دراسة التاريخ هو أنه علم مجرد وموضوعي لدرجة القسوة المطلقة، و في ما يتعلق بالأديان بالخصوص فهو لا يعترف بالقداسة لأي شيء، بل يخضع للمنطق و الأدلة الموثوقة فقط لا غير.
مهدي بوعبيد
17/12/2017
زوجة أم أخت أبو الأنبياء … ؟؟!!!
الديانات الإبراهيمية … سلسلة تاريخية من النسخ و اللصق
الإسلام ليس إلا يهودية معربة، قد يبدو هذا القول غريبا بالنسبة للبعض و مرعبا بالنسبة للكثيرين، لكنها الحقيقة التي ينضح بها التاريخ، ذلك التاريخ الذي لا نقرأه و حتى إن حدث و تصفحنا شيئا منه، نعتبره مجرد أكاذيب و ضلالات تدخل في إطار مؤامرة كونية على الإسلام …
الإسلام ليس إلا يهودية معربة، قد يبدو هذا القول غريبا بالنسبة للبعض و مرعبا بالنسبة للكثيرين، لكنها الحقيقة التي ينضح بها التاريخ، ذلك التاريخ الذي لا نقرأه و حتى إن حدث و تصفحنا شيئا منه، نعتبره مجرد أكاذيب و ضلالات تدخل في إطار مؤامرة كونية على الإسلام.
القول بأن الله قد أنزل اليهودية كديانة سماوية إلهية مخالف تماما للحقيقة، فاليهودية هي ديانة خاصة بأحفاد إبراهيم من قبائل اليهود، أولئك الذين وعدهم الله بأرض كنعان (أرض فلسطين)، و هي ديانة خاصة بهؤلاء القوم و أحفادهم، و لهذا لن تجد مفهوم التبشير في اليهودية حتى اليوم، أما التوراة و التلمود فهي ليست كتبا منزلة من الله، بل كتبها أحبار اليهود إبان السبي البابلي على يد الملك العظيم نبوخذ نصر الذي حاصر و دمر أورشليم و هدم المعبد الأول بين عامي 589 و 587 قبل الميلاد، و في هذا السبي أخذ نخبة القبايل اليهودية كعبيد معه لبابل، و هناك كتبت التوراة و جاءت مشبعة حد التخمة بروايات و أساطير و تفاصيل المرويات التي كان يتناقلها كهنة و رهبان عشتار و مردوك و بعل و إنانا و هي كلها آلهة بلاد الرافدين التي توارثت عبادتها و تقديسها عدة حضارات مرت من تلك الأرض، و بقيت أساطيرها منتشرة بين شعوب المنطقة منذ عهد السومريين، هاته الأساطير في مجملها هي قصة الطوفان و الخلق الأولي و هي مأخوذة من ملحمة جلجامش و ملحمة إينوما إليش كلمة بكلمة و سطرا بسطر.
بالنسبة للمسيحية فهي تاريخيا لم تكن ديانة، بل مجرد مذهب هرطوقي منشق عن الديانة اليهودية و لم تعترف به إلا قلة ضئيلة من الأتباع. هذا المذهب نفسه إنشقت عنه عدة مذاهب و توجهات أخرى، و لم تنتشر هاته المذاهب خارج بعض مناطق الشرق الأوسط الموزعة بين شمال سوريا و جزء من باديتها عند مدخل الصحراء و شمال الجزيرة العربية، و لم تكن تعرف حينها لا بالمسيحية و لا بالنصرانية، ففي الجزيرة العربية مثلا سميت بالنسطورية نسبة للراهب نسطور و في مصر عرفت بالآريوسية نسبة لآريوس و طيلة أكثر 3 قرون بعد تاريخ موت المسيح المفترض ظلت المسيحية ديانة شبه منسية في العالم و لا يؤمن بها إلا جماعات قليلة يتعرض أغلبها للإضطهاد و القتل و التنكيل من الرومان و الفرس و من القبائل الوثنية، و كانت الديانة الميثرائية و هي ديانة هندو-إيرانية قديمة تنتشر أكثر من مذاهب المسيحية و ذلك على إمتداد العالم المعروف آنذاك، حيث وجدت معابد عديدة للإله ميثراس بدءا من شرق إيران و وصولا لشمال إسبانيا، فرنسا، ألمانيا وصولا لإسكتلندا, و إستمرت الميثرائية كأكثر الديانات إنتشارا في العالم بين القرن الأول و الرابع الميلادي، و لولا أن الإمبراطور الروماني قسطنطين قد إختار المسيحية كديانة رسمية للإمبراطورية الرومانية و قام حينها بعقد مجمع نيقية في العام 325 ميلادية لكي يضع الأسس الرسمية لهذه الديانة الجديدة لما عرف العالم شيئا عن المسيحية بكافة مذاهبها، و لظلت طي النسيان حتى اليوم. و قد دعى قسطنطين لهذا المجمع رهبان و قسيسين و كهنة يمثلون مختلف مذاهب المسيحية الموجودة في المناطق التي تقع تحت حكم الإمبراطورية الرومانية، و قد إجتمعوا طيلة أكثر من شهرين و هم يناقشون مختلف تفاصيل الديانة الرسمية الجديدة التي سوف يعلنها قسطنطين الأول، بما في ذلك حقيقة المسيح و مريم و الولادة العذراء و الحديث في المهد و نبوته و صلبه و قيامه من الموت و صعوده للسماء و بعثه من جديد، و اللاهوت و الناسوت و الثالوث المقدس، و بما ان روما كانت لا تزال وثنية حينها و يمتد حكمها بين القارات الثلاث، فقد جاءت شخصية عيسى المسيح خليطا من عدة شخصيات نجدها في عدة ديانات في شكل أساطير تعود لآلاف السنين قبل مجيء المسيح المفترض مثل ميثراس، حورس، كريشنا، أدونيس، و كلها تمثل آلهة و ديانات كانت لا زالت موجودة و منتشرة بين الشعوب التي تحكمها روما آنذاك، …، كما قام المجمع بإختيار الأناجيل الرسمية الأربعة و أمر الكهنة و الرهبان بمنع و إحراق باقي الأناجيل المنتشرة بين الناس. و عند نهاية المجمع المسكوني أعلنت المسيحية ديانة رسمية للإمبراطورية الرومانية (رغم أن قسطنطين قد بقي وثنيا حتى موته و لم يؤمن بها)، و هي في جزء كبير منها نفس المسيحية الكاثوليكية التي نعرفها الآن.
مما يعني منطقيا أنه لولا أن إمبراطورا وثنيا كان يبحث عن توجه جديد يوحد به الإرادة السياسية و العسكرية لإمبراطوريته لما كان أحد قد سمع بها اليوم و لبقيت ديانة غابرة منسية في الزمن مثل آلاف المعتقدات التي عرفها البشر و طوتها صفحات التاريخ.
في مسألة الأناجيل يجب أن نحدد نقطة مهمة، فهي ليست كتبا مقدسة نزلت بها الملائكة على عيسى المسيح ثم حرفت فيما بعد كما يخيل للمسلمين اليوم؛ بل هي في مجملها قصة حياة عيسى و كلامه و أسفاره كما كتبها رفاقه و حواريوه و رهبان كثر من بعدهم و فيها تفاصيل عديدة متناقضة و غير مترابطة أو متشابهة بين إنجيل و آخر، و إلى جانب الأناجيل الأربعة الرسمية هناك عشرات الأناجيل الأبوكريفية الأخرى (راجع إكتشافات مخطوطات البحر الميت و مخطوطات نجع حمادي).
في مسألة الشعائر و الأدعية و الصلوات و القصص و الروايات و التفسيرات الدينية للخلق الأولي، نجد أن المسيحية تأخذ نفس التفاصيل عن اليهودية التي أخذت بدورها عن البابليين و السومريين و الأكاديين و الإسلام جاء في القرن السادس الميلادي و أخذ عن كل هؤلاء، و خاصة عن اليهودية فيما يخص التشريعات و الأحكام المتشددة.
الحقيقة المرعبة في كل هذا هو أن علماء التاريخ و الأركيولوجيا و بعد أبحاث و حفريات إستمرت منذ نهاية القرن التاسع عشر و حتى اليوم، لم يجدوا نقشا واحدا أو بناء أو قطعة عملة أو فسيفساء أو تمثال، او بوابة أو عمود واحد يتحدث نبي واحد من أنبياء اليهودية او المسيحية كما جاء ذكرها في التوراة و الإنجيل، و هم يجمعون اليوم رسميا على كون قصص إبراهيم و إسحق و إسماعيل و يعقوب و موسى و غيرهم، هي مجرد أساطير تم تجميعها من مرويات اقدم توارثتها شعوب و قبائل الشرق الأوسط و آسيا الوسطى و الصغرى، و هذا ما تؤكده دراسة الأناجيل الأربعة و الأناجيل الأبوكريفية و التوراة و التلمود و المدراش اليهودي، كما يؤكده القرآن الذي أخذ نفس القصص و الروايات و أعادها بنفس الشكل و بمجمل ما إحتوت عليه من أخطاء تم تكذيبها اليوم بشكل فعلي.
إذن دعونا نتساءل و بعيدا الغيبيات المقدسة، لو لم يختر الإمبراطور قسطنطين الأول المسيحية كديانة رسمية لدولته و لو لم يقم قبل ذلك الملك البابلي العظيم نبوخذ نصر بسبي اليهود و أخذهم عبيدا لبلاده، من أين كان سيجد الإسلام منابعه التي كتب بها القرآن و وضعت بها الأحكام و التشريعات الدينية … ؟؟!!!
الشيء المؤكد هو أن الأديان أيا كان شكلها أو منبعها، سواء كانت وثنية او إبراهيمية فهي تبقى في الأصل مجرد تشكيلة من الغيبيات التي لا تستند لمنطق عقلي ثابت، فهي تعبير عن ذلك الجانب الميتافيزيقي الذي عاش الإنسان تحت سلطته لمئات الآلاف من السنين، و خلال الفترة التي يمكن تسميتها بطفولة البشرية، لم يسعفه وعيه المحدود في فهم العالم و الظواهر الطبيعية التي يواجهها و بالتالي لجأ إلى التفسيرات الغيبية كوسيلة وحيدة لتعويض هذا العجز عن الفهم. و عندما تخضع هاته المفاهيم الغيبية للعقل و المنطق و تدرس سيرورتها التاريخية بموضوعية و تجرد فمن الطبيعي تماما أن تجد نفسك أمام مشهد يختلف تماما عن ذلك البناء الميتافيزيقي المغلف بطبقات سميكة من القداسة و الخوف من المجهول.
مهدي بوعبيد
18/06/2016