ميثرا … المسيح الوثني بين الهندوسية و الزرادشتية – الجزء الأول

هو إله هندو-إيراني قديم يعود أصله إلى حقبة ما قبل إنفصال الحضارتين الهندية و الفارسية القديمة، و لعل هذا هو سبب وجود أنشودة كاملة بإسمه في كتاب (الريغ فيدا) الهندوسي المقدس، رغم أن ميثرا لم يعد له وجود في مجمع الآلهة الهندوسية بعد انفصال الحضارتين قبل آلاف السنين.

منحوتة تعود للحقبة الرومانية تمثل الولادة المعجزة للإله ميثرا من الصخرة، و قد عثر عليها شمال بريطانيا و توجد حاليا بمتحف نيوكاسل.
منحوتة تعود للحقبة الرومانية تمثل الولادة المعجزة للإله ميثرا من الصخرة، و قد عثر عليها شمال بريطانيا و توجد حاليا بمتحف نيوكاسل.

 

يعرف ميثرا في الميثولوجيا الفارسية القديمة بكونه إبن (آناهيتا) أو ناهد في اللغة الفارسية الحالية، و معناها “الطاهرة” أو “النقية بدون خطيئة” و هي أيضا آلهة فارسية  قديمة تمثل التصور الفارسي لآلهة بلاد الرافدين الربة (عشتار)، التي بعدها الآكاديون و البابليون و الآشوريون، كما أنها تماثل آلهة النهر الهندية القديمة (ساراسواتي) و هي زوجة و أخت الإله (براهما) كما تذكر ملحمة (الماهابهاراتا) الهندوسية القديمة، و في سياق آخر يستخدم إسم (ناهد أو ناهيد) في الفارسية القديمة لتسمية كوكب الزهرة (Venus)، و قد عثر على نقش قديم في أحد المعابد المخصصة لهاته الآلهة يقع في مدينة (كنكاور – Kangouar) في منطقة كرمنشاه غرب إيران  يصفها بالكلمات التالية : ” آناهيتا العذراء، الطاهرة، أم الرب ميثرا “.
تمثال يصور الإلهة الفارسية القديمة آناهيتا، يعود للقرن الخامس قبل الميلاد، و يوجد حاليا بالمتحف البريطاني.
تمثال يصور الإلهة الفارسية القديمة آناهيتا، يعود للقرن الخامس قبل الميلاد، و يوجد حاليا بالمتحف البريطاني.
 يعود أصل الإله ميثرا لحوالي 2000 سنة قبل الميلاد، و تصفه الميثولوجيا الفارسية القديمة بأنه إله الشمس و النور، و اله الصداقة و المعاهدات، و قد ذكر إسمه في أقدم أثر أركيولوجي مسجل يعود للعام 1350 قبل الميلاد، كشاهد على معاهدة بين الملك الحيثي (شوبيلوليوما) و الملك الميتاني (ماتيوازه)، لكن عدا ذلك، لم يعثر على أية آثار أركيولوجية اخرى في إيران أو شبه القارة الهندية تخبرنا عن تفاصيل محددة في ما يخص طقوس عبادة هذا الإله، أو معابد أو منحوتات، و أغلب ما نعرفه عنه اليوم خلال الحقبة الهندو-إيرانية يعود إلى النصوص القديمة التي روت بعض التفاصيل عنه حيث ذكر في كتاب (الريغ-فيدا) الهندوسي كإله ثانوي يساعد الإله (فارونا-Varuna) إله السماء و البحر و يعتبر حارسا لمفاهيم إيجابية كالصداقة و المعاهدات بين البشر، و لهذا كانت طقوسه مرتبطة أكثر بطبقة (البراهمان – Brahman) على رأس هرم الطبقات الإجتماعية في الحضارات الهندية القديمة، و التي تمثل رجال الدين و حماة القانون و النظام بين البشر، مما يجعل ميثرا جزءا أساسيا من مفهوم (الدهارما – Dharma) التي تمثل النظام الأساسي الذي يجب أن يسير عليه نظام الكون لكي لا يختل، على عكس الإله فارونا الذي تصوره الأساطير الهندوسية كإله عنيف جدا يجب أن يتفادى البشر إثارة غضبه، و هو ما يجعله الإله المفضل لدى طبقة المحاربين (كشاتريا – Kshatriya).
منحوتة للإله الهندوسي فارونا، تعود للقرن الثامن الميلادي، و توجد حاليا بمتحف مدينة مومباي الهندية.
منحوتة للإله الهندوسي فارونا، تعود للقرن الثامن الميلادي، و توجد حاليا بمتحف مدينة مومباي الهندية.
 يشكل ميثرا و فارونا مفهوما من التوازن بين قدرة فارونا المطلقة و العنيفة، و سعي ميثرا لنشر مفاهيم الصداقة و الحب و الخير بين البشر، و يميل بعض الباحثين الغربيين في الأساطير القديمة إلى مقارنة العلاقة بين الإثنين بالعلاقة التي تربط بين الإلهين المصريين (سيث – Seth) و (حورس – Horus), بحيث يمثل سيث الإرادة القوية بينما يمثل حورس مفاهيم الحب المطلق و العلاقات الطيبة بين البشر.
و يبدو أن مكانة ميثرا في البانثيون الهندوسي قد تضاءلت بشكل كبير من القدم، بحيث تحول لرمز لمفهوم الصديق المحب ( إسم ميثرا قي اللغة السنسكريتية القديمة معناه “الصديق”)، ليتم فيما بعد تعوضه بالإله (فيشنو – Vishnu) الذي ورث معظم مميزاته و رموزه.
منحوتة تصور تتويج الملك الساساني (أردشير الثاني)، و يظهر الملك واقفا في الوسط يتسلم التاج من الإله أهورامزدا، بينما يقف خلفه ميثرا، و يبدو مميزا بهالة محيطة برأسه تمثل نزر الشمس التي يرمز إليها.
منحوتة تصور تتويج الملك الساساني (أردشير الثاني)، و يظهر الملك واقفا في الوسط يتسلم التاج من الإله أهورامزدا، بينما يقف خلفه ميثرا، و يبدو مميزا بهالة محيطة برأسه تمثل نزر الشمس التي يرمز إليها.
 على مستوى آخر، لا يوجد تاريخ محدد لأفول نجم ميثرا من في الديانة الهندوسية و تحوله لبلاد فارس، لكن الشيء المؤكد هو أن الديانة الزرادشتية قد تبنته كجزء من مفاهيمها داخل الثنائية التي بنيت عليها بين أهورامزدا إله النور و الخير و توأمه المقابل أهريمان رمز الظلام الشر، و قد تم إدماج ميثرا وسط هذه الواجهة الأزلية بين الخير و الشر، كمساعد لأهورامزدا الذي يسهر على ثبات النظام الكوني، و بذلك تحول إله النور و الشمس إلى كائن ملائكي ينتمي لما يسمى ب (اليازاتا) و هي كائنات ترافق الإله أهورامزدا و تعينه على محاربة الفوضى و الشر الذي يسعى أهريمان لنشره في الكون، و بذلك إستمرت رمزية ميثرا الرئيسية مرتبطة بنفس المفاهيم التي اكتسبها في البانثيون الهندوسي و هي مفاهيم خيرة تمثل النور و الحق و العدل و النزاهة، و محاربة الكذب و الخطيئة و الخيانة بين البشر، لكنه بذلك قد فقد مكانته كإله قائم بذاته و تحول إلى شخصية ثانوية في الديانة الزرادشتية، إلى أن اختفت عبادته تماما لصالح أهورامزدا و لم تعد هناك طقوس مرتبطة به، بحيث بقي منه أثر جد بسيط، و هو عبارة عن قرص مضيء من الذهب كان أكاسرة و ملوك فارس يلبسونه في تيجانهم كرمز لإله الشمس و النور ميثرا.
و تذكر النصوص الزرادشتية في كتاب (الأفيستا) المقدس، أن ميثرا قد خلقه الإله أهورامزدا من وسط صخرة ضخمة في ولادة إعجازية، و هو المشهد الذي تؤكده أغلب المنحوتات الموجودة حاليا في المتاحف، و التي تصور ميثرا خارجا من الصخرة و هو يحمل في يده اليمنى مصباحا يرمز إلى النور، و في اليد اليسرى سيفا أو خنجرا يرمز لمحاربته لقوى الظلام و الشر. و لعل إحدى أهم الأساطير المرتبطة بهذا الإله، هي قتله للثور الكوني، بحيث يظهر في عدة رسوم و منحوتات تعود للفترة الرومانية و هو يصارع و يقتل ثورا ضخما، تحولت دماءه لمصدر للحياة على الأرض.
مهذي بوعبيد
05/01/2018

حور العين أصل الأسطورة

حور العين أصل الأسطورة :

ما زالت هناك عدة أساطير تملأ القرآن والمفاهيم الإسلامية والفقهية منها بالخصوص، و كلها تلتقي عند نفس المصادر، حيث تم اقتباسها من نفس التراث الإنساني بمروياته و ملاحمه القديمة … !!!

الإسراء و المعراج، و حادثة شق الصدر و عذاب القبر و ناكر و منكر و الثعبان الأقرع، و الحج و مناسكه و الطوفان و قصة الخلق الأولي و الخطيئة الأولى و جنة عدن و الطرد منها و النزول إلى الأرض و الولادة من عذراء ثم قصة المكافأة الإلهية بالنساء الحور العين في الحياة الآخرة.

"حلم مؤمن" لوحة للرسام الفرنسي Achille Zo, تصور مشهدا للجنة كما جاء وصفها في القرآن, اللوحة موجودة حاليا بمتحف مدينة Bayonne بفرنسا.
“حلم مؤمن” لوحة للرسام الفرنسي Achille Zo, تصور مشهدا للجنة كما جاء وصفها في القرآن, اللوحة موجودة حاليا بمتحف مدينة Bayonne بفرنسا.

و على عكس ما يعتقده المسلمون اليوم، فالقرآن ليس أول كتاب ديني مقدس يتحدث عن ما يسمى بالحور العين في جنات عدن مكافأة للمؤمنين المخلصين الذين ضحوا بحياتهم في سبيل الدين أو الآلهة، فقد ورد ذكرهم على سبيل المثال في الديانات الوثنية القديمة التي استوطنت شمال أوروبا (ألمانيا، النرويج، الدانمارك … ) و التي انتشرت بين قبائل الفيكينغ (Viking) و كن يسمين ب (الفالكيري Valkyrie) و هن فتيات فاتنات عذراوات يرسلهن الإله Odin لساحات المعارك لكي يحملن إليه أرواح المقاتلين الشجعان الأشداء الذين قتلوا في ساحة المعركة، ﻷخذهم إلى جنة فالهالا الأبدية (Valhalla) التي أعدها الإله لهم في العالم الآخر.

مشهد تخيلي للفالكيري Valkyrie و هي تأخذ روح محارب من VIKING ساحة المعركة.
مشهد تخيلي للفالكيري Valkyrie و هي تأخذ روح محارب من VIKING ساحة المعركة.

كما تتحدث الديانة الزرادشتية عن أرواح الغادات الغانيات المضيئات في السماء، و هن بنفس الوصف نسوة جميلات يعتبرن مكافأة أبطال الحروب الذين يدخلون الجنة الأبدية الوجود مع الحور والولدان، كما يرد ذكرهن في الديانات الهندوسية القديمة بنفس الصورة في نصوص الفيدا و المهابهاراتا.

وكلمة حوري في لغة أوستا (وهي من لغات الفرس القديمة).تعني الشمس وضوءها الباهر، وفي اللغة البهلوية القديمة تسمى(هور) وفي لغة الفرس الحديثة (حنور) وقد لفظها العرب (حور) (كتاب شرائع منوا فصل 5 البيت 89). فجرياً على هذه العقيدة الفارسية القديمة والتعبير الفارسي قال القرآن: حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الخِيَامِ (سورة الرحمن 55: 72). وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ المَكْنُون (سورة الواقعة 56: 22 و23).

10422064_1628289720731862_1857077078476002019_n

و كما ترون فهاته المفاهيم العديدة التي تملأ الإسلام ليست إلا استمرارية طبيعية للموروث الإنساني القديم الذي تشاركت فيه التجمعات البشرية الأولى كملاحم أسطورية و مرويات تناقلها الناس من جيل إلى جيل، و كل منها أضاف إليها وزاد فيها و نقص منها ما يناسبه، لكن تبقى التيمة الرئيسية للأحداث ثابتة بدون تغيير، لتتحول فيما بعد لتراث إنساني مشترك، إستخدمته الأديان عندما اقتبست منه قصصا لترويها بدورها في كتبها المقدسة، لكن إستيعاب هذه الرؤية المادية البحتة يتطلب شجاعة كبيرة لوضع كل أشكال التقديس الغيبي جانبا و الإلتزام بالمنهج المادي التاريخي الذي يأخذ بالأدلة المادية الموثقة بعبدا عن محاولات التأويل العشوائي، و هي في حد ذاتها مهمة شبه مستحيلة في العالم الإسلامي اليوم، ﻷن الكهنوت الديني يتسلط على العقول و يمنعها بكل الوسائل من الخوض في مجمل هذا الجانب المعرفي، ﻷنه يعلم تمام العلم أنه متى بدأ المؤمنون يطرحون هاته الأسئلة الحساسة، فسوف يهدم بنيان المقدس الغيبي مثل قصر من الرمال، و بالتالي سوف يفقد الكهنوت أي سلطة روحية على عقول البشر، تماماً كما حدث و يحدث مع المسيحية الآن، التي باتت تتنازل كل يوم شيئاً فشيئاً، و تتراجع عن مجال نفوذها مستسلمة لسلطة العقل.

لكن تلك قصة أخرى … !!!

مهدي بوعبيد