الإسلام و الجزية، تاريخ من الخزي و العار – الجزء الثاني

في الجزء الأول من هذا المقال كنا قد بينا التأصيل الشرعي لمسألة الجزية و سبب نزولها في القرآن، و بينا الملابسات السياسية و الإجتماعية و الإقتصادية التي أدت إلى إضافة هذا الحكم الشرعي لبقية أحكام الإسلام في دولة محمد الناشئة و الضعيفة، و التي كانت في أمس الحاجة للموارد الإقتصادية.

رابط المقال : الجزية و بشرية القرآن (الجزء الأول)

في هذا الجزء سوف نتعرض لبعض النفاصيل الخاصة بالتطبيق العملي لفقه الجزية إبان الغزو الإسلامي العربي لبلدان الشرق الأوسط و شمال إفريقيا.

عند البحث في تاريخ الجزية، أول ما تجده أمام عينيك في كتب التاريخ لدينا، هو تلك المقارنة السمجة مع الحضارات السابقة، فالغالبية العظمى من المؤرخين المسلمين و العرب ينزعون نحو الحديث عن كون الجزية كتطبيق عملي ناتج عن الغزو و الحروب ليست من محدثات الإسلام، بل قديمة جدا و ترجع إلى أولى الحضارات التي دون الناريخ تفاصيلها، فقد فرضها الرومان على كافة مستعمراتهم بدون إستثناء بداية من غرب أوروبا و وصولا للشام، و فرضها الفرس على الفينيقيين، و اليونان على سكان سواحل آسيا الصغرى، و هذه المقارنة في حد ذاتها هي تعبير واضح عن إحساس ضمني بالخجل و الخزي من ممارسة بعيدة كل البعد عن المفاهيم الإلهية و الدينية المنزهة عن تصرفات البشر التي تهتم بمصلحتها الآنية أولا، غير أن أصل تنزيل الحكم و وروده في القرآن و تطبيق النبي له مباشرة بعد نزول الآية 29 من سورة التوبة، في غزوة تبوك، يحيلنا على حاجة بشرية ضرورية أولا، و لم تنزل الآية في القرآن إلا كتعبير مباشر عن هاته الحاجة و تشريع إلهي للممارسة كفعل حلال و مشروع يأمر به الله أتباعه من المسلمين. (أنظر المقال السابق).

 

الآية 29 من سورة التوبة, القانون المشرع و المنظم لمفهوم الجزية
الآية 29 من سورة التوبة, القانون المشرع و المنظم لمفهوم الجزية

 

و رغم كوننا نستنكر هاته المقارنة لكونها تضع الله في موضع البشر، لكن لا أحد ممن درسوا التاريخ يستطيع إنكار كون الممارسة ضاربة في التاريخ بشدة، فهي قديمة بقدم البشر، و بقدم أواى الغزوات التي قامت بها جماعات من البشر ضد القرى أو المستوطنات أو المدن الأولى التي عرفت إستقرارا جغرافيا نتج عنه إستقرار إقتصادي و توافر للموارد الطبيعية الضرورية (فلاحة، ماء، مراعي، قطعان حيوانات أليفة، خطوط تجارة أو محطات توقف القوافل)، و بهذا لم يخل التاريخ القديم من حضارة بشرية واحدة لم تلجأ للجزية كمدخول إقتصادي ثابت و وفير يستتبع كل التحركات العسكرية من غزو و إستعمار، و بنفس المنطق البشري الخالص لم تحد الدولة الإسلامية الوليدة عن هاته القاعدة الثابتة، فهي دولة ضعيفة بالمفهوم العسكري و محدودة جغرافيا، و تحتاج لتوفير موارد إقتصادية ثابتة و دائمة لإعاشة أتباعها، و الغزو (ما يسمى بالفتح في الأدبيات الإسلامية) كان هو الوسيلة المتوفرة آنذاك، أما الحكم الوارد في القرآن بخصوص الجزية، فهو ليس إلا تعبيرا “إلهيا” عن حاجة بشرية خالصة، تعبر عن الإنتهازية أكثر مما تعبر عن إرادة الله في خلقه.

على المستوى الفقهي كانت أحكام الجزية مثار خلاف دائم بين الفقهاء و الشيوخ، خاصة في ما يخص مقدارها و طريقة تأديتها، فالقرآن لم ينص على مقدار ثابت لها، لكن النبي محمد حدَّد ما يجب في المال من الزكاة، أما الجزية، فقد ذكر أنه قد أمر معاذًا أن يأخذ من كل حالِم دينارًا أو عدْله من المَعافر، وأخذ عمر بن الخطاب أكثر من ذلك في بعض الأحيان؛ حيث يروي أبو عبيد أنه قد فرض على أهلِ الذهب أربعة دنانير، وعلى أهل الورق أربعين درهمًا، ومع ذلك أرزاق المسلمين، وضيافتهم ثلاثة أيام عنوة، و قد كانت جزية أهل الشام أكثر من جزية أهل اليمن في عهد عمر بن الخطاب فالنبي قد أوصى بأهل اليمن قبل وفاته لم يوصي بأهل الشام. و قد فرض عمر على بني تغلب ضعْف الزكاة عندما أنِفوا من الجزية، و هذا الاختلاف في فرْض الجزية في عهد عمر بن الخطاب جعل الفقهاء يختلفون فيما بعد في تحديد مقدارها :

– المالكية: يرون أن الجزية غير مقدَّرة بحد أدنى أو أقصى، ويقدِّرها الأئمة تبعا للوضع الإقتصادي و الإجتماعي لسكان البلاد التي تم “فتحها” غزوها.
– والحنفية: يرون أنها على ثلاث فئات: الأغنياء ثمانية وأربعين درهمًا، و متوسطوا الحالة يدفعون أربعة وعشرين درهمًا، والفقراء يدفعون اثني عشر درهمًا، ولا يُزاد على ذلك ولا يُنقص، بينما صير أغلب دعاة تجديد “تدليس” الخطاب الديني أنها قد سقطت عن الفقراء بأمر النبي محمد، لكن واقع الأمر يؤكد عكس ذلك كما سنرى في التفاصيل التاريخية الواردة عن طريقة جمع الجزية في البلدان التي تم غزوها.
-أما الشافعية: فيرون أن الجزية لا يجوز أن تقل غلى دينار على الغني والفقير، ويجوز للولاة أن يَزيدوها مِثلما فعل عمر.
– أما الحنابلة: فيَروون عنهم الآراء الثلاثة السابقة، و هم أقرب لرأي المالكية، لكنهم يصرون على الأداء في وضع الذلة و الصغار تطبيقا للآية 29 من سورة التوبة.

و من أحكام الجزية كما قال أحمد بن إدريس (القرافي) في كتاب الفروق : ” إن قاعدة الجزية من باب التزام المفسدة الدنيا لدفع المفسدة العليا وتوفّع المصلحة، وذلك هو شأن القواعد الشّرعيّة، بيانه: أن الكافر إذا قتل انسدّ عليه باب الإيمان، وباب مقام سعادة الإيمان، وتحتم عليه الكفر والخلود في النار، وغضب الدّيّان، فشرع اللّه الجزية رجاء أن يسلم في مستقبل الأزمان، لا سيما باطّلاعه على محاسن الإسلام، و الإلحاح إليه بالذل والصغار في أخذ الجزية “.

 

النص القرآني يؤكد على أن دفع الجزية يجب أن يتم على حالة من الذلة و الصغار.
النص القرآني يؤكد على أن دفع الجزية يجب أن يتم على حالة من الذلة و الصغار.

 

و يحق لي أن أتساءل هنا، كيف لمن يتعرض للغزو و يفرض عليه إستعمار و إستيطان من شعب آخر بقوة السلاح و يفرض عليه أداء أتاوة مالية مدى الحياة لمستعمره مشروطة بالدفع على الذلة و الصغار، أن يحصل لديه إيمان أو إعتقاد صحيح بالدين أو أحكامه أو الأخلاق و القيم و المعاملات التي يدعو إليها، أو حتى يثق بكونه دينا حقا منزلا من عند الله الحق خالق كل شيء و العالم بكل شيء، بينما هذا الإله يشرع لمستعمره أن يحتل أرضه و يتملك امواله و يسيطر على موارده و يأخذ ماله بسلطة دينية لا جدال و لا نقاش معها، و إن إعنرض على الأمر خرج من عهد الذمة و أصبح ماله و عرضه و دمه و كل ما يملكه حلال لهذا المستعمر الغائر عليه من قلب صحراء الجزيرة … ؟؟!!!!

لا يتحمل هذا المشهد و لو ذرة واحدة من القداسة أو الألوهية التي يتخيلها المسلمون اليوم، بل هو في حقيقته مصدر للخزي و الخجل و العار في حق أمة تدعي كونها خير أمة أخرجت للناس، بينما أول ما عرف البشر من دعوتها للدين الجديد هو حد السيف و سرقة الأموال و نهب الممتلكات و سبي النساء و الأطفال، و كل ذلك بأمر إلهي، فالجزية في الإسلام ليست هي تلك التي تدفعها الدول المنهزمة للدول المنتصرة في حالات الغزو و الحرب و المواجهات العسكرية، فنحن هنا أمام تشريع ديني محض، يكون فيه دفع المال مفروضا لقاء حق الإحتفاظ بحرية المعتقد و الدين، فأين التسامح الإسلامي الذي صدعوا به رؤوسنا هنا … ؟؟!!!

و في تفسير القرطبي للآية 29 من سورة التوبة يقول : “وَ قَالَ اِبْن الْجَهْم : تُقْبَل الْجِزْيَة مِنْ كُلّ مَنْ دَانَ بِغَيْرِ الْإِسْلَام ….. فَقَالَ عُلَمَاء الْمَالِكِيَّة : وَجَبَتْ بَدَلًا عَنْ الْقَتْل بِسَبَبِ الْكُفْر. وَقَالَ الشَّافِعِيّ : وَجَبَتْ بَدَلًا عَنْ الدَّم وَسُكْنَى الدَّار. وَفَائِدَة الْخِلَاف أَنَّا إِذَا قُلْنَا وَجَبَتْ بَدَلًا عَنْ الْقَتْل فَأَسْلَمَ سَقَطَتْ عَنْهُ الْجِزْيَة لِمَا مَضَى”، فأما أنها لقاء حماية أهل الكتاب و الدفاع عنهم، فلا أدري عن أي دفاع يتحدث، و هم قوم مسالمون يعيشون في بلدانهم و لم يعتدوا على المسلمين في شيء، و لولا حكم جهاد الطلب الذي نعرفه جميعا لما إلتقى هؤلاء بهؤلاء، و التهديد بالوقوع تحت السيف و سلب المال و نهب الأرض و سبي الذرية قد جاء من أصحاب الدعوة للدين الجديد في شكل جديد من أشكال التبشير الديني لم يكن العالم يعرفه من قبل لا في المسيحية و لا في اليهودية و لا حتى في ما سبقها من الديانات الوثنية الأخرى.

 

4 دنانير ذهبية عن كل شخص بالغ.
4 دنانير ذهبية عن كل شخص بالغ.

 

و يقول إبن سعد في كتابه الطبقات الكبرى عن عمرو بن العاص عند غزو مصر : “وضع الجزية علي جماجم أهل الذمة فيما فتح من البلدان..”، أما إبن القيم فقدِ سماها «خراج رؤوس الكفار» فيقول :”الْجِزْيَةُ هِيَ الْخَرَاجُ الْمَضْرُوبُ عَلَى رُءُوسِ الْكُفَّارِ إذْلَالًا وَصِغَارًا”. و مما يرويه المقريزى في كتابه المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار :” قدم صاحب أخنا على عمرو بن العاص رضي اللّه عنه فقال له: أخبرنا ما على أحدنا من الجزية فنصير لها. فقال عمرو و هو يشير إلى ركن كنيسة : لو أعطيتني من الأرض إلى السقف ما أخبرتك ما عليك إنما أنتم خزانة لنا إن كثر علينا كثرنا عليكم وإن خفف عنا خففنا عنكم “، و حتى عندما إقترح عمرو بن العاص على عمر بن الخطاب أن يقوم بغزو مصر، لم يكن ذلك بعدف نشر الإسلام و إنما بقوله : ” يا أمير المؤمنين . إئذن لى أنْ أسير إلى مصر. هى أكثر الأرض أموالا. وأعجزها عن القتال والحرب “، فالهدف واضح و بين هنا، فالغزو قد كان بدافع الحثول على المال و الموارد التي تنقص الدولة الفتية، و لعلم عمرو بن العاص حينها بأن أهل مصر ليسوا بأصحاب حرب و لا قتال، فهم واقعون تحت الإحتلال البيزنطي لقرون، و أكثر الناس خضوعا له، منا يسهل عملية غزوهم و إستعمار بلادهم، و نحن هنا بعيدون تماما عن تلك الصورة المغرقة في النبل التي تكتنف صفحات كنب التاريخ الإسلامي عندما يتحدث عما يسمونه “بالفتوحات الإسلامية”، فتلك الفتوحات لم تكن إلا إستكمالا لممارسات عرف بها عرب الجزيرة فيما بينهم قبل قرون من مجيء الإسلام، هذا الدين الجديد الذي أبقى على تلك العادات و لم يقف عند ذلك الحد بل شرعها بأوامر إلهية واضحة في القرآن و رغب فيها أتباعه.

بل إن عمرو بن العاص قد تمادى في أحكامه الجائرة على أقباط مصر و التي أقره عليه الخليفة عمر بن الخطاب و لم يأمره بتركها، ففرض على أهل مصر أن يستضيفوا كل عربي يدخل مدنهم و قراهم وسط بيوتهم و عائلاتهم مدة ثلاثة أيام دون أدنى سؤال أو إعتراض، و زاد عن ذلك بأن أقر ملكية كل عربي لأي بيت يضرب رمحه وسطه حتى لو كان له أصحاب ” من ركز رمحه فى دار فهى له ولبنى أبيه”، فهؤلاء كفار و مشركون بحكم إلهي، و معترضون على الدين الحق الذي جاءهم ذكره في التوراة و الإنجيل من قبل، و ما يقع عليهم من الذلة و الصغار و المهانة هو جزاء الله على جحودهم لهذا الدين الذي جاء به رسوله. و سوف تذكر كتب التاريخ أبد الدهر تلك الجملة المخزية التي نادى بها عمرو بن العاص في أقباط مصر بعد قدر عليهم و إستسلموا لحكمه، حيث قال : ” من كتمنى كنزًا عنده فقدرت عليه قتلته “، و يحكى حينها أن كافة أعل مصر قد أخرجوا ما لديهم من ذهب و فضة و أموال خوفا من تهديده الصريح لهم بالقتل، و تهديد عمرو بن العاص رغم فظاظته لا يخرج عن سنة النبي محمد فيما سبق، فقد ورد في سيرة إبن هشام عن إبن إسحاق في حرب يهود بني النضير : ” و أتى رسول الله بكنانة بن الربيع وكان عنده كنز بني النضير فسأله عنه، فجحد أن يكون يعرف مكانه فأتى رسول الله رجل من يهود فقال لرسول الله : إني رأيت كنانة يطيف بهذه الخربة كل غداة فقال رسول الله لكنانة أرأيت إن وجدناه عندك ، أأقتلك قال نعم. فأمر رسول الله بالخربة فحفرت فأخرج منها بعض كنزهم ثم سأله عما بقي فأبى أن يؤديه فأمر به رسول الله الزبير بن العوام ، فقال عذبه حتى تستأصل ما عنده فكان الزبير يقدح بزند في صدره حتى أشرف على نفسه – أي عذبه بالنار حتى أشرف على الموت- ثم دفعه رسول الله إلى محمد بن مسلمة فضرب عنقه بأخيه محمود بن مسلمة “. فالفعل هنا ثابت في السيرة النبوية و لم يفعل أكثر من تطبيق سنة نبيه فيما سبق.

و في عام المجاعة بعث عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص كتابا يقول فيه : ” إلى العاص بن العاص . فإنك لعمرى لا تبالى إذا سمنتَ أنت ومن معك أنْ أعجف أنا ومن قبلى . فياغوثاه ياغوثاه . فكتب إليه عمرو بأنه سيرسل له قافلة من العير أولها عندك وآخرها عندى “، فمصر إذن ليست إلا خزينة لعرب الجزيرة و دولتهم الجديدة، يأخذون منها ما أرادو متى أرادوا و بتشريع إلعي سماوس لا يملك مسلم واحد أن يناقشه اليوم، فالحكم ثابت في القرآن بالنص الواضح و بإجماع أئمة المذاهب الأربعة.

و جدير بالذكر أن الجزية قد بقيت مضروبة على نصارى و أقباط مصر منذ الغزو الإسلامي إلى عام 1855 حين قام الوالي سعيد إبن محمد علي بإصدار مرسوم إلغاء تام لها مع كل الشروط التي ترافقها مثل منع الأقباط من دخول الجيش و إنشاء مدارس و كليات خاصة بهم، بل سمح لهم حتى بممارسة طقوسهم الدينية داخل الجيش بكل حرية، منهيا بذلك تاريخا طويلا من العنصرية و القهر و الظلم في حق أقلية دينية تعتبر هي أصلا صاحبة الأرض، و لا يفوتني أن أذكر هنا أن مرسوم الإلغاء هذا قد أثرا مشكلة كبيرة مع شيوخ الأزهر و فقهاءه، إذ أن رواتبهم كانت تدفع من الجزية التي تتم جبايتها من الأقباط كل سنة. و قد قامت باقي الولايات العثمانية بإصدار مراسيم إلغاء مشابهة بدءا من عام 1857.

و لنترك مصر جانبا و نتجه شمالا صوب بلاد الشام، لنتحدث قليلا عما يسمى بالعهدة العمرية و هي كتاب عمر ابن الخطاب لأهل إيلياء ” القدس” بعد “فتحها عام 638 ميلادية.

نص العهدة العمرية عن كتاب “أحكام أهل الذمة” لإبن القيم الجوزية
عن عبد الرحمن بن غنم :

كتبتُ لعمر بن الخطاب رضي الله عنه حين صالح نصارى الشام، وشرَط عليهم فيه :

الا يُحدِثوا في مدينتهم ولا فيما حولها ديراً ولا كنيسة ولا قلاية ولا صومعة راهب،
ولا يجدِّدوا ما خُرِّب،
ولا يمنعوا كنائسهم من أن ينزلها أحدٌ من المسلمين ثلاث ليالٍ يطعمونهم،
ولا يؤووا جاسوساً،
ولا يكتموا غشاً للمسلمين،
ولا يعلّموا أولادهم القرآن،
ولا يُظهِروا شِركاً،
ولا يمنعوا ذوي قرابتهم من الإسلام إن أرادوا،
وأن يوقّروا المسلمين،
وأن يقوموا لهم من مجالسهم إذا أرادوا الجلوس،
ولا يتشبّهوا بالمسلمين في شيء من لباسهم،
ولا يتكنّوا بكناهم،
ولا يركبوا سرجاً،
ولا يتقلّدوا سيفاً،
ولا يبيعوا الخمور،
وأن يجُزُّوا مقادم رؤوسهم،
وأن يلزموا زيَّهم حيثما كانوا،
وأن يشدّوا الزنانير على أوساطهم،
ولا يُظهِروا صليباً ولا شيئاً من كتبهم في شيءٍ من طرق المسلمين،
ولا يجاوروا المسلمين بموتاهم،
ولا يضربوا بالناقوس إلا ضرباً خفيفاً،
ولا يرفعوا أصواتهم بالقراءة في كنائسهم في شيء من حضرة المسلمين،
ولا يخرجوا شعانين،
ولا يرفعوا أصواتهم مع موتاهم،
ولا يَظهِروا النيران معهم،
ولا يشتروا من الرقيق ما جَرَتْ عليه سهام المسلمين،
فإن خالفوا شيئاً مما شرطوه فلا ذمّة لهم،
وقد حلّ للمسلمين منهم ما يحل من أهل المعاندة والشقاق، ”

و فوق كل ما سبق ذكره فقد فرض عمر على أهل القدس أداء الجزية، و لكم أن تتخيلوا من كمية الشروط و القيود التي فرضت على مسيحيي القدس قدر الإجحاف و الظلم الذي وقع عليهم، فهذه الوثيقة هي ترجمة لإرادة مستعمر قام بغزو بلد بقوة السلاح و سيطر على شعبها و مقدراتها و فرض نظاما سياسيا و إجتماعيا و إقتصاديا و دينيا يستحوذ فيه على كل شيء و يفرض به دينه بالقوة على الشعب الواقع تحت سلطته الغاشمة، و من يرفض فعليه أن يؤدي إتاوة لقاء الإحتفاظ بحياته و بحقه في الإعتقاد بالدين الذي يريده، و بجانب ذلك يصبح مجبرا على العيش على الهامش تماما مقصيا من كل أشكال الحياة العامة بما فيها من أنشطة طبيعية قد يمارسها أي شخص بمنتهى الحرية، مثل حرية العبادة و ممارسة الطقوس الدينية و بناء دور العبادة، بل هو مجبر على تمييز نفسه عن المسلمين بحلاقة شعر محددة و لباس معين و عليه أن يخلي الطريق للمسلم عند مروره و ينهض له من مكانه لكي يجلس فيه، كما أنه ممنوع من حمل السلاح أو ركوب الخيل، أو حتى الظهور بعلامات مميزة لإعتقاده الديني، و لا يحق له منع أي مسلم من دخول الكنيسة بل يجبر على إستضافته داخلها لثلاثة أيام أكلا و شربا و مبيتا، و هذا غيض من فيض. إذا لم يكن كل ما ذكر أعلاه قمة العنصرية و التطرف و الإقصاء فماذا يكون، و كأني أقرأ مرسوم القوات الألمانية النازية الذي فرضته على يهود بولونيا حين غزت البلد و سيطرت عليه لأكثر من خمس سنوات إبان الحرب العالمية الثانية … !!!

تاريخ الجزية كحكم ديني مؤكد بنص من القرآن و كممارسة سياسية و إقتصادية و دينية مجحفة يمثل إحدى أكثر مظاهر التطرف و العنصرية الإسلامية إثارة للعار و الخزي، و مهما إدعى الشيوخ و رجال الدين اليوم من الكذب و التدليس حول كونها مماثلة لفريضة الزكاة أو تعويضا عن الدفاع عن أهل الكتاب في حالة الحرب هو محض إفتراء كبير، و لعل ابرز دليل على ذلك هو كون عصابات داعش و جبهة النصرة في العراق و سوريا لم تتردد لجظة واحدة في تطبيق هذا الحكم على من وقع تحت أيديها من الأقليات المسيحية في الشرق الأوسط، فهم بذلك يطبقون حكما إلهيا لا شبهة في صحته و لا مشروعيته.

مهدي بوعبيد

14/09/2018

التدخّلات القرآنيّة في الحياة الشخصية للنبي‎ محمد

الفصل بين c الإيمان و محمد التاريخ :
و إذ نرى أنّ القرآن نزل لتبرئة عائشة في حادثة الإفك بعد حدوثها بعدة أسابيع فإنّه لن يتوقّف عند ذلك الحدّ, فسيهتمّ القرآن أكثر بحياة النبيّ العائليّة – و قد كان من قبل مقلاّ في هذا الأمر – و سيركّز القرآن في تلك الفترة على علاقات النبيّ مع النساء, ممّا يجعل عائشة تقول للنبيّ : إنّ الله يسارع في هواك : ’’1’’ عن هشام عن عروة عن أبيه قال كانت خولة بنت حكيم من اللائى وهبن أنفسهن للنبي  فقالت عائشة أما تستحي المرأة أن تهب نفسها للرجل فلما نزلت { ترجي من تشاء منهن } قلت يا رسول الله ما أرى ربك إلا يسارع في هواك قال البخاري رواه أبو سعيد المؤدب ومحمد بن بشر وعبدة عن هشام عن أبيه عن عائشة يزيد بعضهم على بعض وفي حديث زكريا بن يحيى عن أبي أسامة عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت كنت أغار على اللائي وهبن أنفسهن لرسول الله  وذكر نحوه وكذا في رواية أبي كريب عن أبي أسامة عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت وذكر نحوه وفيه فلما أنزل الله { ترجي من تشاء منهن } قالت قلت والله ما أرى ربك إلا يسارع في هواك.
و من ضمن هذه التدخّلات القرآنيّة هو زواجه من زينب بنت جحش.
و ذلك أنّ النبيّ ’’2’’ جاء بيت زيد يطلبه فلم يجده، فتقدمت إليه زينب، فأعرض عنها، فقالت له: هو ليس هنا يا رسول الله فادخل، فأبى أن يدخل وأعجبت زينب بنت جحش رسول الله، لأن الريح رفعت الستر فنظر إليها من غير قصد و هي تلبس ثوبا خفيفا فوقعت في نفسه، فرجع وهو يقول «سبحان مصرّف القلوب» وفي رواية أخرى «مقلب القلوب» وسمعته زينب يقول ذلك، فلما جاء زيد أخبرته الخبر، فجاء إليه وقال: يا رسول الله لعل زينب أعجبتك فأفارقها لك، فقال له رسول الله : أمسك عليك زوجك
لكنّ ابن كثير ’’3’’ يرويها بطريقة أخرى [ موردا رأيه في الرواية أعلاه] : وقد ذكر غير واحد من المفسرين، والفقهاء، وأهل التاريخ في سبب تزويجه إياها عليه السلام حديثاً ذكره أحمد بن حنبل في مسنده، تركنا إيراده قصداً لئلا يضعه من لا يفهم على غير موضعه. ثمّ يقول: ’’4’’
وقد تكلم كثير من السلف ها هنا بآثار غريبة، وبعضها فيه نظر، تركناها (…) ثم روى البيهقي: من طريق عفان، عن حماد بن زيد، عن ثابت، عن أنس قال: جاء زيد يشكو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من زينب بنت جحش فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أمسك عليك أهلك)) فنزلت {وتخفي في نفسك ما الله مبديه}
ثم قال أخرجه البخاري: عن محمد بن عبد الرحيم، عن يعلى بن منصور، عن محمد مختصراً
لكن لماذا جاء زيد إلى النبيّ يشكو من زوجته زينب ؟
نعود إلى القصّة من البداية و قبل أن يتزوّج بها زيد أصلا:
ذهب النبيّ  ’’5’’ ليخطب فتاة لزيد بن حارثة فدخل على زينب بنت جحش الأسدية فخطبها [ أي أنّ النبيّ أراد تزويج زينب لزيد ] قالت: لست بناكحته قال: بلى فانكحيه قالت: يا رسول الله أوامر في نفسي ,فبينما هما يتحدثان أنزل الله هذه الآية على رسول الله : (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا (36) سورة الأحزاب,  وقالت: قد رضيته لي يا رسول الله منكحا قال: نعم قالت: اذن لا أعصي رسول الله قد أنكحته نفسي “
و كما نلاحظ فقد رفضت زينب منذ البداية الزواج من زيد, لأنّها خير منه حسبا :
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ” خطب رسول الله زينب بنت جحش لزيد بن حارثة فاستنكفت منه وقالت: أنا خير منه حسبا وكانت امرأة فيها حدة فأنزل الله وما كان لمؤمن ولا مؤمنة
و القرآن تدخّل مرّتين في أمرها: مرّة في تزويجها من زيد و مرّة في تطليقها منه و تزويجها من النبيّ!
لذلك فإنّها كانت – و على ما يبدو – تطمع في الزواج من النبيّ, فليس من الغريب أن تكون قد أثارته تعمّدا منها و هو ما حدث فعلا, بل و أخبرت زيدا بذلك, و ربّما فكّر زيد في حاله فهو في الأخير كان مملوكا للنبيّ و لا يستطيع أن يخالف أمر سيّده [ خاصّة أنّ القرآن تدخّل و إذا رفض زيد فهو لا يعصي النبيّ فقط بل و يعصي الله, ثمّ إنّ زوجته لا تريده]
و العجيب في الأمر هو أنّ النبيّ أرسل زيدا نفسه ليخطب له زينب! : ’’7’’ وقال الإمام أحمد: حدثنا هاشم – يعني ابن القاسم – حدثنا النضر، حدثنا سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس قال: لما انقضت عدة زينب قال النبي لزيد: «اذهب فاذكرها علي». [ أي اذهب و اخطبها لي ].
فانطلق حتى أتاها، وهي تخمر عجينها قال: فلما رأيتها عظمت في صدري، حتى ما أستطيع أن أنظر إليها، إن رسول الله ذكرها، فوليتها ظهري، ونكصت على عقبي، وقلت: يا زينب أبشري أرسلني رسول الله بذكرك،[ يقول لها أبشري, فإمّا أنّه مؤمن إيمانا قاطعا أنّ النبيّ لا يتصرّف من نفسه و أنّ الله هو الذي أمر بذلك, و الله أعلم و أحكم منه حتّى و إن كان الأمر يمسّ زوجته, و إمّا أنّه لم يرد إغضاب النبيّ و هو سيّد نعمته و قال في نفسه أنّ النساء غيرها كثير, كما أنّ القرآن ذكّره بقدره الحقيقيّ حين قال: (واذ تقول للذي انعم الله عليه وانعمت عليه  ) ] قالت: ما أنا بصانعة شيئا حتى أؤامر ربي عز وجل.
و قام النبيّ بعدها بإعداد وليمة ثمّ دخل بزينب دون عقد زواج, تقول زينب: ’’8’’  فلما انقضت عدّتي لم أشعر إلا والنبي [دخل عليّ ] وأنا مكشوفة الشعر فقلت: هذا أمر من السماء دخلتَ يا رسول الله بلا خطبة ولا شهادة, قال: الله المزوّج وجبريل الشاهد.
و يلخّص لنا السيوطي القصّة: ’’9’’
وأخرج الطبراني والبيهقي في سننه وابن عساكر من طريق الكميت بن يزيد الأسدي قال: حدثني مذكور مولى زينب بنت جحش قالت ” خطبني عدّة من أصحاب النبي  فأرسلت اليه أخي يشاوره في ذلك [أي من الذي يريد الزواج من زينب؟ ] قال [ أي النبيّ ]: زيد بن حارثة ,فغضبتْ وقالتْ: تزوّج بنتَ عمّتك مولاك ؟ ثم أتتني فأخبرتني بذلك فقلت: أشدّ من قولها وغضبتُ أشدّ من غضبها, فأنزل الله تعالى وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن تكون لهم الخيرة من أمرهم, فأرسلتُ اليه زوّجني من شئت, فزوّجني منه فأخذته بلساني [أي أنّ زينب حين تزوّجت من زيد قامت بتعييره  و أنّها خير منه] فشكاني إلى النبي  فقال له: اذن طلّقها, [ في البداية قال له أمسك عليك زوجك, و لكنّ السيوطي يختصر القصّة هنا, و ربّما اكتشف النبيّ أنّه أخطأ من تزويح زيد من زينب,حيث أنّها لا تريده أبدا, و لكنّ المشكل أنّه انزل فيهما قرآنا و بالتالي و لكي يطلّقهما أنزل أيضا قرآنا ]  فطلّقني فبتّ طلاقي, فلما انقضت عدّتي لم أشعر إلا والنبي  وأنا مكشوفة الشعر فقلت: هذا أمر من السماء دخلت يا رسول الله بلا خطبة ولا شهادة قال: الله المزوّج وجبريل الشاهد .
فالله و جبريل يتابعان هذه القصّة منذ البداية, و القرآن يقوم بالتوثيق, و المسلمون – فيما بعد – يقرؤونها في صلواتهم و يتعبّدون بها .. !!
 *****************************************************************************
الرجل و بكل بساطة أعجب بزوجة إبنه بالتبني بعدما راقه ما رأى منها، فعمد إلى فعل ما فعل و إخراج ما أخرج من الآيات التي تخول له الوصول إلى مبتغاه دون أن تلحق به سبة الدهر، و تم التلاعب بالأمر عبر جعل الهدف الإلهي الأسمى هو إزالة الحرج على الرجال في تزوج مطلقات أولادهم بالتبني، و إنتهى الأمر بتحريم التبني في الإسلام بشكل نهائي.
المشكلة الكبرى هنا، هي أن الأمر به من الشبهات و الريبة ما يطعن في مسألة النبوة بأكملها، فالله من فوق سبع سموات يترك كل شيء و يتدخل في الحياة الشخصية البحتة للنبي و في مشاعره و ينزل جبريل بالوحي الإلهي لكي يصرح بما أخفاه الرجل في صدره و يمنحه تصريحا سماويا ليتزوج بطليقة إبنه بالتبني، و الأدهي من كل هذا هو أنه يبعث بزيد ليخطب له طليقته، ثم تقبل المرأة لكون زواجها من النبي قد أصبح أمراً إلهيا و لم يعد بإمكانها و هي المؤمنة أن ترفض أو تجادل في أمر قرره الله من فوق سبع سموات و أنزل فيه آيات بينات من الوحي، لتنقضي بعد ذلك عدتها فيدخل بها دون خطبة و لا شهادة، و يعلل ذلك بكون الله هو المزوج و جبريل هو الشاهد، و يقال أن زينب نفسها فيما بعد كانت تتباهى على باقي زوجات النبي بقولها : “كلكن زوجكن أولياءكن، أما أنا فزواجي ثم طلاقي ثم زواجي من النبي كان بأمر من الله و وحي من ملاكه جبريل” … !!!
لست كيف تظهر المسالة بالنسبة لكم، لكن فيما يخصني أنا أرى فيها دعوة صريحة ﻹعادة النظر في أمر النبوة و الوحي من الأساس … !!!
المصادر :
1-الجمع بين الصحيحين للحميدي/الجزء الخامس
2-السيرة الحلبيّة / برهان الدين الحلبي/غزوة بحران و راجع الكامل في التاريخ/ ابن الأثير/الجزء الأوّل
3-البداية و النهاية / ابن كثير/الجزء الرابع
4-المصدر السابق
5-الدرّ المنثور/السيوطي/سورة الأحزاب
6-المصدر السابق
7-البداية و النهاية/ابن كثير/الجزء الرابع
8-الدرّ المنثور/السيوطي/سورة الأحزاب
9-المصدر السابق

مهدي بوعبيد

19/072018

هل كانت عداوة محمد ليهود المدينة دينية فعلا أم سياسية .. ؟؟!!‎

مما يذكر في سيرة إبن هشام و السيرة الحلبية عن بيعة الأنصار للنبي محمد يوم العقبة الأولى و العقبة الثانية، أن الأصل في بيعة الأنصار هما قبيلتا الأوس و الخزرج بيثرب و هاتان القبيلتان كانتا في حرب دائمة فيما بينهما و في نفس الوقت كانت كل واحدة منهما متحالفة مع يهود المدينة من بني قريضة و بني النضير سواء بالتجارة أو بالمال أو لحاجة الأوس و الخزرج الدائمة للسلاح و يهود المدينة كانت لهم سيطرة شبه مطلقة على تصنيع و تجارة السلاح في يثرب آنذاك، و قد كان شر الحرب بين القبيلتين- و التي دامت أكثر من مائة سنة – يطال اليهود في كل معركة تشتعل بينهما، فكل مواجهة عسكرية ترتد ضد القبيلة المهاجمة و حلفاءها أو من يرتبطون معها بتجارة أو سلاح، مما جعل يهود المدينة الذين كانوا يعيشون حالة ضعف سياسي دائم و هم تحت سطوة القبائل العربية حينها يقولون و يرددون : ” هذا زمان نبي قد أطل و إقترب ظهوره بين الناس، و إن كان كذلك لنتبعنه فنقتلكم معه قتل عاد و إرم “.
منمنمة فارسية قديمة تصور محمد و هو يتلقى الوحي من جبريل في غار حراء.
منمنمة فارسية قديمة تصور محمد و هو يتلقى الوحي من جبريل في غار حراء.
 و قد بقي النبي يومها زمنا طويلا يذهب لمواسم القبائل في الجزيرة العربية يعرض عليها نفسه و يدعوهم لحمايته و نصرة دعوته بين العرب و التحالف معه ضد قريش و هو الملاحق من زعماء مكة و أعيانها بكل قدراتهم المالية و السياسية و حتى العسكرية، و لما حدث أن دعا بعضا من أعيان الأوس و الخزرج لنفس الشأن، تذكر هؤلاء حديث اليهود عن ظهور نبي جديد، فقالوا هذا هو الذي توعدنا به اليهود فلننتهز هذه الفرصة و نبادرهم و نسبقهم إليه فننصره و نقتلهم به قبل أن يسبقونا إليه فيقتلونا به، فصدقوه و بايعوه في يوم العقبة الثانية على النصرة و الحرب و القتال.
و بما أن عداوة الأوس و الخزرج لليهود قد بقيت قائمة حتى بعد هجرة الرسول للمدينة، فقد صار محمد هو الآخر عدوا لهم بحكم بيعتهم له في يوم العقبة الثانية، و هذا ما يؤكد أن عداوة محمد لليهود و عداوتهم له قد بدأت فعليا في هذا اليوم، و بعد أن كان يذكرهم في القرآن من قبل في الآيات المكية بالخير و المديح هم و أنبياؤهم كأهل كتاب يؤمنون بالله، ثم بعد بيعة الأنصار له و هجرته ليثرب أعمل فيهم القتل و الغزو و السلب و النهب و التهجير حتى أفناهم و أنهى وجودهم في المدينة و ما حولها، مما يجعل ذلك نتيجة منطقية و ضرورية لنصرة أعداء اليهود للرسول و إجتماعهم على أمره في تحالف مصالح واضح.
منمنمة فارسية قديمة تصور محمد و هو يلقي خطبة حجة الوداع
منمنمة فارسية قديمة تصور محمد و هو يلقي خطبة حجة الوداع
ما سبق هو قراءة بتصرف شديد لما ترويه كتب السير عن بيعة الأنصار و هم قبيلتي الأوس و الخزرج لمحمد، و ما نتج عن بعد ذلك من إفناء ليهود المدينة سواء بالقتل أو التهجير و الطرد من بيوتهم و أراضيهم.
الكثيرون من بيننا يقرأون هاته الأحداث قراءة دينية محضة داخل إطار يقدس كل ما يحكى عن دعوة محمد بشكل مفرط و مبالغ فيه، و من الطبيعي أن تغيب عنها الرؤية السياسية التي تبين أن الأمر كان سياسياً بالدرجة الأولى قبل أن يكون دعوة لدين جديد.
مهدي بوعبيد
16/07/2018

الإيمان بالله بين الفطرة و إغراء الجنس الأبدي

ترى كم شخصا كان ليتبع محمد في دعوته لدين جديد، لو لم يكن وصف الجنة و النار بتلك الدقة الغرافيكية المبالغ فيها في آيات القرآن و في الأحاديث.. ؟؟!!
إن ذلك الإصرار العجيب على وصف الملذات الحسية في الجنة مثلا مع التركيز المفرط على الجانب الجنسي من قبيل :
– وصف حجم و شكل أثداء النساء.
– ذكرعدد الحور العين، و طريقة جلوسهن في الخيام و القصور إستعدادا للقاء المؤمن.
– وصف مدة اللقاء الجنسي الواحد الذي يدوم عشرات السنين دون كلل و لا ملل.
-الإصرار على مسألة العذرية التي لا تفنى و تذهب ثم تعود من جديد بشكل إعجازي.
– وصف المؤمنين و هم في شغلهم فاكهون (أجمع فقهاء التفسير على أن هذا الشغل هو فض بكارة الحور العين بدون إنقطاع).
– وصف الذكر الذي لا ينثني (لا يفقد إنتصابه)، رغم ان الممارسة الجنسية و عدد الشريكات غير محدود.
– وصف الغلمان المخلدين الذين يطوفون بكؤوس الخمر و الشراب على المؤمنين و هم ممدين على الارائك. (و هي إحالة بيدوفيلية لا ينكرها إلا جاهل أو مدلس).
لوحة للرسام الفرنسي Jean-Baptiste Achille Zo الذي عاش خلال القرن التاسع عشر, و تمثل تصورا للجنة كما يراها المسلم من خلال وصف القرآن للملذات الحسية التي سوف يكافأ بها المؤمنون بعد البعث و الحساب.
لوحة للرسام الفرنسي Jean-Baptiste Achille Zo الذي عاش خلال القرن التاسع عشر, و تمثل تصورا للجنة كما يراها المسلم من خلال وصف القرآن للملذات الحسية التي سوف يكافأ بها المؤمنون بعد البعث و الحساب.
إن هذه الإلحاح في الوصف بأدق التفاصيل، يضرب روح الإيمان المطلق الفطري في مقتل، فلو كان هذا الدين وليد الفطرة كما يتحدث بذلك محمد نفسه، لما كانت هناك حاجة لكل هذا الوصف الدقيق للملذات الجسدية التي يعد بها الله كل من يؤمن به و يتبع دين محمد، و لو أضفت لكل ما سبق كمية الوصف الدقيق للعذاب السادي المتوحش التي ينتظر كل من كفر بدعوة محمد في جهنم، سوف تتأكد لك مدى بشرية النصوص المقدسة التي بتي عليها الإسلام، إذ أن التحليل المنطقي المتجرد لآيات القرآن و أحاديث نبيه، يضعك أمام لا يمكنك تجاهلها، و هي أن هذه النصوص قد كتبت بيد بشر يعي تماما كمية الحرمان الجسدي الذي يعانيه المجتمع الذي ظهرت فيه الدعوة لهذا الدين، مجتمع يعيش في أرض صحراوية جافة و جرداء، لا ينبت فيها زرع و لا نبات، بالإضافة إلى كون الأنثى في شبه الجزيرة العربية آنذاك هي مطمع طبيعي بين الرجال، سواء بالغزو و السلب و النهب و سبي النساء و الأطفال بين القبائل البدوية أو بالعبودية و الاسترقاق، و هي عادة درج عليها العرب قديما، حيث كانت النسوة يختطفن من مضارب القبائل ليتم بيعهن في أسواق النخاسة في كبريات المدن آنذاك، و لهذا نجده يمعن في الوصف الدقيق لكل الملذات الحسية التي تغري الناس بإتباع الرجل في دعوته. ثم كيف لهذا الإله العجيب أن يمعنةفي الذكورية إلى الحد الذي نجده يلغي به المرأة تماما من الحياة الآخرة بعد البعث و الحساب، ليحولها إلى مجرد دمية جنسية لا تتحدث أو تتحرك إلا لإشباع الرجل أبد الآبدين، كيف تتحول الأم و الأخت و الزوجة فجأة في الحياة الأخرى إلى أداة لتحقيق اللذة المفرطة و المبالغ فيها فقط، و كأنها لم تخلق لغير ذلك.
إن مثل هذه التفاصيل الصغيرة بين ثنايا السور و الآيات تلغي ذلك الجانب الإعجازي الذي يتبجح به كاتب القرآن، فنحن نجد أنفسنا أمام نصوص كتبت عمدا لتداعب الخيالات و الإستيهامات الجنسية الهائجة اقوم يعيشون حالة من الحرمان تمتد لأغلب الملذات الحسية و الجسدية المعروفة بين البشر، و هذا في حد ذاته يدمر تلك القيمة الروحية للإيمان آلهة خلقت الكون كله بكل تفاصيله، لكنها في المحصلة تجد نفسها مجبرة على استخدام أسلوب العصا و الجزرة، حين تعد أتباعها بالحصول على نساء بجمال مغري لا يبلى و لا يذوب، مقرون بأوضاع جنسية تكاد تقترب من مشاهد الأفلام الإباحية، حين تصف المؤمن و هو جالس في خيمته يمارس الجنس بلا إنقطاع و لا تعب، مع نسوة لا يتعبن لا من الجنس و لا من التغنج الماجن حبا في المؤمن.
إن هذا الإصرار يقع في تناقض صادم مع مفهوم البوصلة الأخلاقية المتعصبة التي يطرحها الإسلام في الحياة الطبيعية، ففي الوقت الذي نجد فيه النصوص المقدسة للدين تمعن في احتقار و معاداة المرأة، مع تلك الرغبة المتعصبة في إخفائها و دفنها تحت أطنان من الثوب المغلف بآلاف التحذيرات المتطرفة و الدعوة لتغطية و تورية أي شيء قد يظهر من جسد المرأة و لو بالصدفة و يثير فتنة المؤمنين القانتين، نجد القرآن و أحاديث محمد و مروياته تمعن في تشييء المرأة و هي تحولها لمجرد مكافأة جنسية سماوية يمنحها الله لعباده المتقين لكي يتمتعوا بجسدها صباح مساء أبد الدهر.  .هذا التناقض يبين أن نفسية كاتب هذه النصوص بعيدة كل البعد عن كل ما هو سوي، اجتماعيا على الأقل.
إن جنة المسلم هي أكثر شيء إثارة للضحك في أدبيات الإسلام، فهي مجرد ترجمة فعلية لكل ذلك الكبت و الحرمان الذي عاشه سكان صحاري شبه الجزيرة العربية آنذاك، و قد تكون هاته الترجمة مغرية بالإتباع في تلك العصور الغابرة، لكنها بمفاهيم اليوم و العصر الحالي، لم تعد تغري أحدا، غير ضعاف العقول و المهووسين جنسيا، فلا أظن أن هناك شخصا سويا واحدا يحلم بممارسة جنسية واحدة تدوم لسبعين سنة، أو لحياة أبدية يقضيها متنقلا بين الخيام و بين أفخاذ الحور العين، مهما بلغ جمالهن .. !!!
مهدي بوعبيد
25/06/2018

الجزية و بشرية القرآن (الجزء الأول)

لا يستطيع أحد إنكار هالة القداسة الضخمة التي تحيط بالقرآن ككتاب يقدسه مئات الملايين من المسلمين منذ أكثر من 1400 سنة، و هي قداسة لن نحاول الدخول في أسبابها و تفاصيلها التي لا تخفى على الباحثين المتخصصين، لكن عندما تتوفر الجرأة و الإرادة للتعامل مع النص بتجرد و موضوعية، لا تملك إلا أن تعترف بأن الكثير من آياته تفقد هالة القداسة تلك، فالقراءة المتجردة تضعك أمام كلمات و جمل تحمل الكثير من المعاني التي تجعلها أقرب للمنطق البشري أكثر من قربها للمفهوم الإلهي، ذلك المفهوم الذي من المفترض أنه منزه عن كل ما يرتبط بالحاجات الدنيوية التافهة.

الآية 29 من سورة التوبة, القانون المشرع و المنظم لمفهوم الجزية
الآية 29 من سورة التوبة, القانون المشرع و المنظم لمفهوم الجزية

لنأخذ على سبيل المثال ما يسمى بآية الجزية، إنها الآية 28 و 29 من سورة التوبة، و هي تقول :

” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَٰذَا ۚ وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاءَ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28)قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29) “

الآية الأولى تتضمن أمرا واضحا بطرد المشركين من أرض المسجد الحرام و منعهم من دخولها، و كلنا نعلم أن التأثير المباشر لهكذا أمر هو توقف قوافل التجارة عن دخول مكة كما كانت تفعل قبل ظهور الإسلام، مع ما ينتج عن ذلك من أزمة إقتصادية تؤثر على معيشة الناس بعد إنحسار التجارة القادمة من باقي مدن و حواضر الجزيرة العربية التي لم تدخل الإسلام بعد و بالتالي ما زالت في معظمها على الوثنية التي يسميها الإسلام شركا، و لهذا نجد بقية الآية تتحدث عن كون الله سوف يغني المسلمين إن هم خافوا “العيلة” أي الفقر و الفاقة بانقطاع تجارة المشركين عنهم. ثم يستمر الأمر المباشر في الآية التي تليها، فنجد الله يأمر المسلمين بقتال الذين لا يؤمنون بمجموعة من الأحكام التي يحددها في الإيمان بالله و اليوم الآخر بما يستتبعه من حساب و عقاب و ثواب، و لا يحرمون ما حرم الله و رسوله، و لا يدينون بالدين الحق، أي الإسلام، ثم ينهي الأمر بتحديد المعنيين به و هم الذين أوتوا الكتاب، أي اليهود والنصارَى، و إختيار كلمة الإتيان هنا ليس عشوائيا، فهو كناية عن كون الله قد حدد و بين لهم هذه الأحكام و الشرائع في الكتب التي أنزلها عليهم من قبل، أي التوراة و الإنجيل، لكنهم إستكبروا و عاندوا و جحدوا الحق اﻹلهي و خاصة ما يقوله محمد من أن إسمه و رسالته و أمته مذكورون في ما سبق عندهم من الكتب المقدسة، و هذا ما يثبت عليهم الحجة في الكفر و الإنكار و يوضح جريمتهم التي جعلت الله يأمر المسلمين بقتالهم في القرآن.

دفع الجزية يجب أن يتم على حالة من الذلة و الصغار.
دفع الجزية يجب أن يتم على حالة من الذلة و الصغار.

لكن نهاية الآية الثانية هنا تضعنا أمام غاية أخرى ترتبط بالأمر الأول، فمنع المشركين من دخول الأراضي المقدسة عند المسلمين سوف يمنع عنهم سبل التجارة مما سوف يتسبب بفقرهم، و غاية الأمر بالقتال في الآية الثانية هي تنفيذ للوعد الإلهي السابق ذكره بالتعويض عن الفقر و الحاجة، فنجد الأمر بالقتال ينتهي بفرض الجزية على أهل الكتاب، كخيار ثاني إلى جانب المواجهة و السيف، و لا تكتفي الآية بطرح الجزية فحسب بل توضح حتى الوضع الذي يجب تأديتها عليه فتشترط الدفع الذي يترافق مع الذلة و الصغار، و هي قمة المهانة بالنسبة لأهل الكتاب، و ذلك في صورة واضحة من صور العقاب الدنيوي الذي فرضه الله عليهم لكونهم رفضوا نبوة محمد و كفروا بدعوته و كتابه و أحكامه.

طيب ما هي الجزية إذن : ذكر الرزاي أيضا في تفسيره للآية 29 من سورة التوبة : ” الجزية هي ما يعطي المعاهد على عهده، وهي فعلة من جزى يجزى إذا قضى ما عليه ” أي أنها قدر من  المال يدفعه الكتابي لإمام المسلمين، وهي فعلة من الجزاء كأنها جزت عن قتله، و لهذا يسمى دافع الجزية بالذمي فالقدر الذي يدفعه من المال هو ما يحفظ له حقه في الحياة و هو رافض لشريعة محمد و دينه و متى رفض دفعه يصبح دمه و ماله و عرضه و كل ما يملكه حلال للمسلمين، فالعهد هنا قائم بدفع الجزية و ليس بمفهوم التسامح و القبول بالآخر رغم إختلاف معتقده الديني. لكن ما يثير الحيرة في هذه المسألة هو كوننا أمام نص يفترض أنه إلهي، مقدس و منزل من اللوح المحفوظ من فوق سبع سماوات، فهذا الحكم ليس إجتهاد فقهاء و لا إجماع علماء بل هو كلام الله المرسل إلى نبيه، نعم الله خالق كل شيء الكون و الأرض و السبع سماوات، الله مطلق القوة و الرحمة و العلم بكل شيء، بما كان و سيكون، لكنه مع ذلك يفرض على البشر الذين خلقهم و أرسل لهم أنبياء و رسل بأديان سماوية مختلفة، أن يختاروا بين ثلاث، ترك دينهم و إتباع دين جديد جاء به رجل من أعماق الصحراء يقول بأنه نبي مرسل بالدين الحق، أي النسخة النهائية و الوحيدة التي قرر أن تتبعها البشرية كلها بدون إستثناء، أو أن يواجهوا القتال و السيف مع ما يتبع ذلك من قتل و نهب للأموال و الأملاك و سبي للنساء و الذرية، أو أن يدفعوا الجزية لكي يحتفظوا بحياتهم و القليل جدا من كرامتهم، و هنا يصعب جدا على على العقل أن يتقبل أن خالق الكون الذي إرتضى للناس دينا جديدا لن يقبل منهم غيره يوم القيامة، يفضل أن يتركهم على أديانهم الباطلة كما هم و يأمر نبيه و أتباعه بأن يأخذوا منهم مالا عوضا عن ذلك، أي إله هذا الذي يقبل تعويضا ماديا عن الإيمان به و بسلطته المطلقة على مخلوقاته، أي إله هذا الذي يشرع إتاوة على البشر لقاء حقهم في الحياة التي منحها لهم، أي إله هذا الذي يشرع أحكاما دينية هي أقرب لمعاملات المافيا منها لتلك القداسة الإلهية التي يفترضها الدين بمفاهيم مثل التوحيد و التسليم و الرضى بقضاء و قدر الخالق مطلق القوة و الرحمة و العلم … ؟؟!!!!

لائحة بالغزوات و المعارك التي سيرها النبي محمد.
لائحة بالغزوات و المعارك التي سيرها النبي محمد.

لكن مهلا، لنأخذ القصة من جانب آخر أكثر واقعية و موضوعية، بل لنأخذ النص على حقيقته كما هو، لا كما يراه المؤمنون، فقد منع المشركون من دخول مكة و المدينة، و كما قلنا قبل ذلك فهذا يعني وضعا جديدا تنقطع فيه قوافل التجارة و سبل البيع و الشراء، مع ما يعنيه ذلك من فقر و فاقة، و النص هنا ليس إلا تأسيسا لوضع إقتصادي جديد يسمح للمسلمين بالحصول على مصادر دخل جديدة تعوضهم عما فقدوه بإنقطاع قوافل التجارة عن مدنهم، و هذا المصدر ليس إلا إتباعا لسنة القبائل العربية التي دأبت عليها من قبل ظهور الإسلام، و هي الغزو و ما يرافقه عادة من سبي و سلب و نهب في حق المنهزمين، و الفارق الوحيد هنا هو أن المسلمين قد بات من حقهم حتى بعد الغزو و الغنيمة، أن يفرضوا إتاوة أبدية و دائمة على هؤلاء المنهزمين؛ بشرعية إلهية مطلقة، هو إذن نهب و سلب منظم و مشروع دينيا، لا يعاقب الله عليه، بل يأمر به و يحض عليه المؤمنين و يصرح لهم به على أنه حلال لا شبهة حوله.

و قد تلى نزول هذه الآية مباشرة غزوة تبوك في رجب من العام 9 للهجرة، و هي آخر الغزوات التي خاضها محمد قبل وفاته، حيث هاجم أراض تقع تحت سلطة الإمبراطورية البيزنطية في شمال الجزيرة العربية، و مع أن المعركة النهائية لم تقع فعليا، فقد كان الدافع الرئيسي وراءها هو الحصول على مداخيل مادية في عام من القحط و الجذب الذي أصاب الجزيرة العربية و ترافق مع فقر شديد عجز معه الرسول عن جمع ما يكفي من المال لتجهيز جيشه بما يلزمه من سلاح و دواب و مؤن. و يقول  ابن كثير في تفسيره : «أن الله سبحانه لما أنزل قوله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا”، قالت قريش ، كما ورد عن ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وقتادة والضحاك وغيرهم، وكان ذلك بعد فتح مكة: “لينقطعن عنا المتاجر والأسواق أيام الحج، وليذهبن ما كنا نصيب منها، فعوضهم الله عن ذلك، بالأمر بقتال أهل الكتاب، حتى يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون.» ويرى ابن كثير أن سبب الغزوة هو استجابة طبيعية لفريضة الجهاد؛ ولذلك عزم الرسول محمد قتال الروم؛ لأنهم أقرب الناس إليه، جاء في سورة التوبة: ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ  “.

و قد إختاف العلماء في تحديد مقدار الجزية لأن النص لم يحدده، و يقول القرطبي في تفسيره :

” لم يذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه مقدارا للجزية المأخوذة منهم. وقد اختلف العلماء في مقدار الجزية المأخوذة منهم، فقال عطاء بن أبي رباح: لا توقيت فيها، وإنما هو على ما صولحوا عليه. وكذلك قال يحيى بن آدم وأبو عبيد والطبري، إلا أن الطبري قال: أقله دينار وأكثره لا حد له. واحتجوا بما رواه أهل الصحيح عن عمرو بن عوف: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صالح أهل البحرين على الجزية. وقال الشافعي: دينار على الغني والفقير من الأحرار البالغين لا ينقص منه شيء واحتج بما رواه أبو داود وغيره عن معاذ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه إلى اليمن وأمره أن يأخذ من كل حالم دينارا في الجزية. قال الشافعي: وهو المبين عن الله تعالى مراده. وهو قول أبي ثور. قال الشافعي: وإن صولحوا على أكثر من دينار جاز، وإن زادوا وطابت بذلك أنفسهم قبل منهم. وإن صولحوا على ضيافة ثلاثة أيام جاز، إذا كانت الضيافة معلومة في الخبز والشعير والتبن والإدام، وذكر ما على الوسط من ذلك وما على الموسر وذكر موضع النزول والكن من البرد والحر. وقال مالك فيما رواه عنه ابن القاسم وأشهب ومحمد بن الحارث بن زنجويه: إنها أربعة دنانير على أهل الذهب وأربعون درهما على أهل الورق، الغني والفقير سواء ولو كان مجوسيا. لا يزاد ولا ينقص على ما فرض عمر لا يؤخذ منهم غيره. وقد قيل: إن الضعيف يخفف عنه بقدر ما يراه الامام. وقال ابن القاسم: لا ينقص من فرض عمر لعسر ولا يزاد عليه لغنى. قال أبو عمر: ويؤخذ من فقرائهم بقدر ما يحتملون ولو درهما. وإلى هذا رجع مالك.”

و في تفسيرات أخرى تكون الجزية على نوعين إما صلحية أو عنوية، و الصلحية هي تلك التي تضرب على من منعوا المسلمين من الإستيلاء بالقتال على بلدانهم و أنفسهم و أهاليهم و أموالهم، و تحدد قيمتها بما يتفق عليه الطرفان عند الصلح، و أقلها دينار و لا يحدد لها سقف أعلى إذ يبقى تحديد القدر حكرا على الإمام أو الخليفة. أما العنوية فهي تلك التي تفرض على أهالي البلدان التي فتحت عنوة بالقتال و تحت السيف، و تحدد بأربعة دنانير ذهبية على أهل الذهب، أي أغنياء القوم و أربعون درهما فضيا على من هم أقل منهم منزلة، و لنعقد مقارنة بسيطة مع قيمة الذهب اليوم، فقيمة الدينار الذهبي محددة في 4،25 غراما من الذهب، أي أن 4 دنانير هي ما يعادل اليوم 677,45 دولارا في السنة، تلك هي قيمة التعويض عن الإيمان بالإسلام اليوم.

4 دنانير ذهبية عن كل شخص بالغ.
4 دنانير ذهبية عن كل شخص بالغ.

الآن و بعد كل ما سبق ما تفصيله أعلاه، ألا يبدو النص أقرب لرغبات و هوى و إرادة البشر منه لإرادة الخالق، فلا أرى الخالق إلا منزها عن أمور الدنيا من أموال و أملاك و ذهب و فضة، فلا يليق به النزول لهذا المستوى الذي يبقى مجالا بشريا محضا يتصارع حوله البشر كما هي عادتهم منذ الأزل … ؟؟!!!!

في الجزء الثاني من هذا المقال، سوف نعود لتفاصيل أكثر أهمية عن موضوع الجزية، لنوضح طريقة و حيثيات و ظروف أداءها و نسرد تفاصيل دقيقة في هذا الباب من تاريخ الغزو الإسلامي للشعوب المجاورة و ما فرض على أهلها، و سيكون من بينها شرح و تفصيل لما يسمى بالعهدة العمرية، و هي بمثابة تأصيل ثابت في الإسلام لمسألة الجزية و كيفية التعامل مع أهل الذمة ممن أوتوا الكتاب.

مهدي بوعبيد

20/04/2018

هل القرآن عربى مبين فعلا ؟؟!

هناك نصوص قرآنية عديدة تؤكد أن القرآن قد كتب بلسان عربي مبين، نذكر من بينها ما يلي :

(سورة يوسف 12: 2) “إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون”

(سورة طه 20: 113) “وكذلك أنزلناه قرآنا عربيا “

(سورة الزمر 39: 28) “قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون”

(سورة فصلت 41: 3) “كتاب فصلت آياته، قرآنا عربيا لقوم يعلمون”

(سورة الشورى 42: 7) “وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها”

(سورة الزخرف 43: 3) “إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون”

(سورة الأحقاف 46: 12) “لسانا عربيا لينذر الذين ظلموا”

(سورة الشعراء 26: 193و195) “نزل به الروح الأمين .. بلسان عربي مبين”

(سورة النحل 16: 103) “وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ”

و قد إتفق المفسرون على إختلاف مذاهبهم على كون هاته الآيات تؤكد و تجزم على أن القرآن قد أنزل بلسان عربي من أفصح ما تحدثت به عرب الجزيرة بإختلاف لهجات القبائل عند بداية الدعوة المحمدية.

لكن مهلا، إلى جانب هاته الآيات، يؤكد المفسرون أيضا و من أبرزهم جلال الدين السيوطي، على كون القرآن يحتوي على العشرات من الكلمات الأجنبية بعدة لغات كانت معروفة و تحدثت بها شعوب المنطقة من اليمن و الجزيرة العربية و الشرق الأوسط و آسيا الصغرى و منطقة البحر الأبيض المتوسط و شمال إفريقيا، نذكر من بينها اللغات التالية : الآرامية، العبرية، الفارسية، البهلوية، الهندية، الحبشية، القبطية، الأمهرية و عدة لغات أخرى من نفس الفترة التاريخية التي كتب فيها القرآن.

هذا النقش عثر عليه في منطقة مدائن صالح في المملكة السعودية, و تظهر الكتابة على يسار المخطوطة عبارة عن خليط من النبطية والعربية التي ليس بها أي نقاط أو علامات ترقيم. والكتابة العمودية إلى يمينها هي كتابة ثمودية.
هذا النقش عثر عليه في منطقة مدائن صالح في المملكة السعودية, و تظهر الكتابة على يسار المخطوطة عبارة عن خليط من النبطية والعربية التي ليس بها أي نقاط أو علامات ترقيم. والكتابة العمودية إلى يمينها هي كتابة ثمودية.

و قد عدد المفسرون أكثر من 200 كلمة أعجمية، إليكم قائمة غير حصرية ببعضها :

في “تأريخ القرآن” للشيخ إبراهيم الابياري (طبعة دار الكتاب المصري بالقاهرة سنة1981م ص 190) أورَد بعض الأمثلة للألفاظ الأعجمية في القرآن، وأشار إلى كتاب البرهان في علوم القرآن للزركشي [ج1 ص 288]، وكتاب الاتقان في علوم القرآن للسيوطي الجزء الأول الصفحة 139

– الطور: سريانية، معناها: الجبل
* البقرة2: 63 وغيرها ” وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ

ـ طفِقا: رومية، معناها: قصدا
* الأعراف7: 22 ” وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ”

ـ الرقيم: رومية، معناها: اللوح
* الكهف18: 9 ” أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا”

ـ هدنا: عبرانية، معناها: تُبْنا
* الأعراف7: 156 ” وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ “

ـ طه: عبرانية، معناها: طأْ يا رَجُل
* سورة طه20: 1 “طه مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى”

ـ سينين: عبرانية، معناها: حسن
* التين95: 2 ” وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ”

ـ السجل: فارسية، معناها: الكتاب
* الأنبياء21: 104 ” يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ”

ـ الاستبرق: فارسية، معناها: الغليظ
* الدخان44: 53 ” يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ”

ـ السندس: هندية، الرقيق من الستر
* الدخان44: 53 ” يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ”

ـ السرىُّ: يونانية، معناها: النهر الصغير
* مريم19: 24 ” فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا”

ـ المشكاة: حبشية، معناها: الكوة
* النور24: 35 ” اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ”

ـ الدري: حبشية، معناها: المضيء
* النور24: 35 ” الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ. الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ”

ـ ناشئة الليل: حبشية، معناها: قام من الليل
* المزمل73: 6 ” إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا”

ـ كِفْلين: حبشية، معناها: ضعفين
* الحديد57: 28 ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ “

ـ القَسْوَرَة: حبشية، معناها: الأسد
* المدثر74: 51 ” فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ”

ـ الملة الأخرى: قبطية، معناها: الأولى
* سورة ص38: 7 ” مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ”

ـ وراءهم: قبطية، معناها: أمامهم
* الكهف18: 79 “وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا” (الطبري وَكَانَ أَمَامهمْ مَلِك)

ـ بطائنها: قبطية، معناها: ظواهرها
* الرحمن55: 54 ” مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ”

ـ أباريق: فارسية، معناها: أواني
* الواقعة56: 18

ـ إنجيل: يونانية، معناها: بشارة
* آل عمران3: 48

ـ تابوت: قبطية، معناها: صندوق
* البقرة2: 247

ـ جهنم: عبرية، معناها: النار
* الأنفال8: 36

ـ زكاة: عبرية، معناها: حصة من المال
* البقرة2: 110

ـ زنجبيل: بهلوية، معناها: نبات
* الإنسان76: 17

ـ سجَّيل: بهلوية، معناها: الطين المتحجر
* الفيل105: 4

ـ سرادق: فارسية، معناها: الفسطاط
* الكهف18:29

ـ سورة: سريانية، معناها: فصل
* التوبة9: 124

ـ طاغوث: حبشية، معناها: الأنداد
* البقرة2: 257

ـ فردوس: بهلوية، معناها: البستان
* الكهف18: 107

ـ ماعون: عبرية، معناها: القدْر
* الماعون107: 7

مخطوطة مما يسمى بمصحف عثمان من مكتبة مسجد خاست بمدينة طشقند, أوزبكستان
مخطوطة مما يسمى بمصحف عثمان من مكتبة مسجد خاست بمدينة طشقند, أوزبكستان

لو أخذنا القرآن ككتاب دين و”نسبيا” ككتاب تاريخ فإن وجود هذه الكلمات داخل آياته يصبح شيئا طبيعيا جدا بالنظر إلى الفترات التاريخية التي كتب و جمع فيها (بغض النظر عن تفاصيل و تاريخ جمعه و الأحداث التي رافقت هذه العملية)، و كلنا نعلم أن اللغة العربية لم تكن لغة متكاملة في فترة نزول القرآن، فلم تكن لها قواعد نحو و صرف معروفة و ثابتة، و كانت تكتب بحروف بدائية و محدودة بدون نقاط و لا تشكيل و لا قواعد إعراب، مما كان يجعل للكلمة الواحدة عدة معان تبعا لطريقة قراءتها و مكان وضع النقاط فوق الحروف (و هذا هو السبب في وجود عدة قراءات في القرآن لدى العرب اليوم، من بينها القراءات السبع المعروفة و المتفق عليها، و عشرات القراءات الأخرى المسماة بالشاذة)، و قد كانت اللغة تكتب بالخط النبطي، و السبب في ذلك هو أن العرب قد كانوا قوما رحل يعيشون حياة البداوة متنقلين بين دروب الصحراء بحثا عن الماء و الكلأ، و بسبب إنعدام أسباب الإستقرار الجغرافي للمجمعات البشرية التي كانت تشكل قبائل الجزيرة آنذاك، لم تتطور لديهم لغة مكتوبة ثابتة و واضحة، و إن كان أغلب من يكتب لديهم يفعل ذلك بالسريانية و الآرامية التي كانت منتشرة جدا حينها، و بالتالي لم تتطور لديهم الكتابة إلا عندما غيروا نشاطهم الإقتصادي نحو التجارة بين اليمن جنوبا و الشام و العراق و فارس شمالا، فظهرت لديهم الكتابة النبطية أخذا عن مملكة النبط التي كانت عاصمتها البتراء (الأردن اليوم)، و هذا التغيير يعتبر أول مدخل حقيقي نحو التمدن و الحضارة لدى العرب، حيث دخلت أساليب جديدة في العمران و البناء و اللباس و الحياة بشكل عام، و كانت في مجملها تأثيرا إجتماعيا ناتجا عن التعرف على حضارات أخرى خلال التجارة بين اليمن جنوبا و العراق و فارس و الشام.

 و لم يتم وضع قواعد النحو و التنقيط و الكتابة للغة العربية إلا بعد عدة سنوات من نزول القرآن، و قد كانت أولى المحاولات على يد القاضي أبي الأسود الدؤلي خلال خلافة علي بن أبي طالب (يصر الشيعة على كونه قد فعل ذلك بأمر و تعليم من علي نفسه)، لكن يبقى سيبويه الفارسي هو أول من وضع قواعد النحو و التنقيط في اللغة العربية بشكل منهجي و مفصل في كتابه الذي سمي “الكتاب” ( لأن سيبويه لم يضع له عنوانا) و قد أُلِّفَ الكتاب في القرن الثاني للهجرة الموافق للقرن الثامن الميلادي، و عدا ذلك فقد بقيت دواوين الدولة الأموية تكتب باللغة الفارسية و السريانية و ذلك حتى مجيء الخليفة الأموي عبد الملك ابن مروان الذي قام بتعريبها باقتراح من الحجاج بن يوسف الذي كلفه بالمهمة، و قد قام  بنقط حروف المصحف وإعجامه بوضع علامات الإعراب على كلماته، وذلك بعد أن انتشر التصحيف، ونُسب إليه تجزئة القرآن، ووضع إشارات تدل على نصفه و ثلثه و ربعه و خمسه، و فرض قراءة واحدة هي قراءة عثمان بن عفان، وترك غيرها من القراءات التي كانت معروفة و منتشرة آنذاك، و أنهى مهمته بأن كتب مصاحف عديدة موحدة وبعث بها إلى مختلف مناطق الإمبراطورية الأموية، و يحق لنا التساؤل عنا عن شكل و مضمون باقي المصاحف التي جمعت و أحرقت و تم تعويضها بمصحف الحجاج و عبد الملك.

نقش النَّمارة أو حجر نمارة أو كما يعرف ب نقش إمرئ القيس هو ما يُعتقد أنه مرحلة سابقة للعربية الفصحى، ويرجع تأريخه إلى عام 328م وكان قد كتب بالخط النَّبطي المتأخر. وقد عثرت عليه البعثة الفرنسية في مطلع القرن العشرين في قرية النمارة شرقي جبل العرب بسورية.
نقش النَّمارة أو حجر نمارة أو كما يعرف ب نقش إمرئ القيس هو ما يُعتقد أنه مرحلة سابقة للعربية الفصحى، ويرجع تأريخه إلى عام 328م وكان قد كتب بالخط النَّبطي المتأخر. وقد عثرت عليه البعثة الفرنسية في مطلع القرن العشرين في قرية النمارة شرقي جبل العرب بسورية.

 

و من الضروري هنا التعريج على نقطة مهمة تتكرر كمغالطة تاريخية عند أي نقاش حول تاريخ اللغة العربية، حيث يعمد البعض إلى إستخدام إكتشاف أركيولوجي مهم من أجل الإستدلال على كون اللغة العربية سابقة تاريخيا على الإسلام.

يتعلق الأمر بنقش النمارة و هو نقش مكتوب على شاهد قبر من حجر البازلت إكتشفه مستشرقان فرنسيان عام 1901 في منطقة النمارة بجبل الدروز أو جبل حوران بالقرب من مدينة السويداء في سوريا.

و حسب ما ذكره غالبية المختصين حين تم الإكتشاف فالنقش هو شاهد قبر لشخص يدعى امرؤ القيس بن عمرو الأول و هو أحد ملوك المناذرة في الحيرة قبل الإسلام و قد كان حكمه تابعا لبيزنطة في الفترة التاريخية ما بين 295 و 328 ميلادية، و النص المنقوش مكتوب بالأبجدية النبطية (المأخوذة من مملكة النبط في الأردن)، و إن كانت هنالك ترجمات مختلفة لمعنى النص، تم تغييرها حسب تفسيرات المختصين ما بين عام 1905 و 1985 وصولا لعام 2009.

المشكلة هنا هي أن من يدافعون عن كون اللغة العربية أقدم من تاريخ ظهور الإسلام، يقومون بالخلط بين امرؤ القيس بن عمرو الأول الذي ورد ذكره كملك في النص النبطي و بين الشاعر الجاهلي إمرؤ القيس بن حجر بن الحارث الكندي و هو أحد كبار شعراء المعلقات (رغم إعتراضي على ما يسمى بالشعر الجاهلي الذي أثبت العظيم طه حسين أن أغلبه منحول). و الشخصية الثانية أي إمرؤ القيس بن حجر بن الحارث الكندي قد عاش في الفترة ما بين 520 و 565 ميلادية، أي حوالي 200 سنة بعد إمرؤ القيس بن عمرو الأول.

الأمر يتعلق بشخصيتين مختلفتين، بينما يتم الإستدلال بالثاني على أنه الأول و بالتالي ينطلق دعاة هذه المغالطة من كونه شاعرا جاهليا عظيما و صاحب تمكين و فصاحة في اللغة، لإثبات كون اللغة العربية ذات أصول قديمة جدا تعود للقرن الثالث بعد الميلاد، مما ينفي الحاجة للغة الآرامية ما دامت اللغة العربية منتشرة و متطورة للحد الذي يسمح بكتابة شعر متمكن و أصيل ذو متانة و عمق و ثراء لغوي كبير قبل 4 قرون من ظهور الإسلام، بينما لو كان الأمر كذلك فعلا و كان النقش يتحدث عن شاعر عربي ذاع صيت شعره الغزير بين العرب (من أقاصي اليمن جنوبا إلى بيزنطة شمالا) و صاحب لغة عميقة و قوية التغبير بالشكل الذي نقرأه في الأبيات الشعرية المنسوبة له، لكان من غير المنطقي أن يكتب شاهد قبره بالأبجدية النبطية، ألم يكن من الأجدر حينها أن يكتب باللغة العربية و هي لغته الأم التي برع فيها كما يقول تاريخ الشعر الجاهلي … ؟؟!

بينما يؤكد لنا التاريخ الموثق أن اللغة العربية في الفترة التي سبقت الإسلام كانت لغة شفوية تتحدث بها عدة قبائل موزعة بين نجد و الحجاز و بادية السماوة شمال الجزيرة و لم تكن مكتوبة نظرا لغياب الحروف الأبجدية أولا و لذلك كانت تكتب بالحروف النبطية (تماما مثل نقش النمارة)، و النبطية أصلا مشتقة من اللغة الآرامية التي كانت تتحدث بها قبائل بادية الشام و العراق و الأردن طيلة قرون، و قد وصلت للجزيرة العربية مع دخول الجمل للصحراء و الذي سمح لعرب الجنوب بالتنقل الدائم نحو الشام و بادية الأردن بغية التجارة، حيث أخذوا عدة مظاهر حضارية عن شعوب المنطقة آنذاك، من بينها اللغة و الأبجدية و العمران و أشكال اللباس، و قد إستمر الأمر كذلك حتى بعد مجيء الإسلام، فحتى عندما تطورت الأبجدية العربية بحروفها الخاصة كانت تكتب بدون تنقيط و لا تشكيل أو حروف مد و لم تكن لها قواعد نحو و صرف و إعراب.

و من تم كانت أولى محاولات تنقيط اللغة على يد أبي الأسود الدؤلي خلال خلافة علي بن أبي طالب، تلته محاولات ناجحة على يد الحجاج بن يوسف الثقفي خلال حكم عبد الملك بن مروان، لتنتهي بمنهجية شاملة و مفصلة في التنقيط و النحو و قواعد الإعراب على يد الفارسي سيبويه خلال القرن الثاني الهجري الموافق للقرن الثامن الميلادي، أي حوالي 6 قرون بعد الفترة التي نقش فيها شاهد القبر بالأبجدية النبطية الذي يتحدث عن إمرئ القيس ملك الحيرة.

أي أن مسار تطور اللغة العربية هو بالفعل متأخر جدا عن تاريخ كتابة القرآن كما نعرفه اليوم.

من جهة أخرى و بالمفهوم الديني المطلق، تعتبر اللغة العربية لغة مقدسة منزلة من عند الله، فالقرآن في الإسلام  يتجاوز مفهوم الكتاب المقدس المتعارف عليه في الأديان الإبراهيمية، بحيث يصبح مكتوبا في اللوح المحفوظ و منزلا من السماء عبر الملاك المرسل من عند الله جبريل على محمد في إطار ما يسمى بالوحي، بل يذهب المفهوم أبعد من ذلك حين يصر على كون اللغة العربية لغة أهل الجنة في الآخرة، ويصر شيوخ و رجال الدين منذ بداية الإسلام على أن أول من نطق باللغة العربية هو إسماعيل الذي ترك لغة ابيه وفي سن الرابعة عشر بعد أن ألهمه الله هذه اللغة السماوية (مقدمة ابن خلدون الجزء الثاني، الصفحة 86 ) ويقول بعضهم أن اللغة العربية هي التي كان يتكلم بها آدم أبو البشرية، و أن الله قد علمه إياها قبل نزوله من الجنة، و هي كلها تفسيرات خرافية و غيبية ذات نزعة و توجه قومي أخرق يرتبط أساسا بالفترة التي بدأ فيها عرب الجزيرة بغزو و إحتلال شعوب المناطق المجاورة لهم، في إطار ما يسمى زورا (بالفتوحات) الإسلامية، بينما هي في حقيقة الأمر سعي وراء إنشاء و مد إمبراطورية سياسية و عسكرية.

و هذا ما ينافي العقل و المنطق السوي، و ينافي كذلك ما أوردته كتب التاريخ حول تاريخ العرب كمجموعات بشرية و قبائل موزعة بين اليمن و نجد و الحجاز، و هي بحكم تحركها و تنقلها الدائم كرحل و وقوافل تجارة بعد ذلك، إحتكت بشعوب المنطقة و من الطبيعي جدا أن تتحدث مختلف اللغات التي كانت سائدة آنذاك، و هي نفس اللغات التي وجدت عدة مفردات و كلمات من بينها وسط القرآن الذي يصر المفسرون على كونه عربيا خالصا.

مخطوطات صنعاء هي مجموعة من المخطوطات والرقائق القرآنية تبلغ حوالي 4500 مخطوطة، كتبت بالخط الكوفي والحجازي وغيرها من الخطوط غير المنقوطة، تعد من أقدم النصوص القرآنية الموجودة تم اكتشافها مع عدد من المخطوطات التاريخية في الجامع الكبير بصنعاء القديمة عام 1972.
مخطوطات صنعاء هي مجموعة من المخطوطات والرقائق القرآنية تبلغ حوالي 4500 مخطوطة، كتبت بالخط الكوفي والحجازي وغيرها من الخطوط غير المنقوطة، تعد من أقدم النصوص القرآنية الموجودة تم اكتشافها مع عدد من المخطوطات التاريخية في الجامع الكبير بصنعاء القديمة عام 1972.

بل إن كلمة قرآن نفسها ليست كلمة عربية في الأصل بل سريانية، و قد أخذت عن كلمة قريانا السريانية، و هي تعمي كتاب الصلوات الكنسية، و قد أخذ الإسم من اللغة السريانية، لتشابه السياق بين كتاب المسلمين المقدس و كتاب الصلوت الكنسية لدى السريان، بل حتى تسمية فرقان نفسها ليست عربية بل سريانية أيضا و تعني الخلاص بالمفهوم المسيحي الصرف، أي فداء البشرية و خطايا الناس بصلب المسيح، و كلمة سورة أيضا ليست عربية بل سريانية و أصلها شورة، و تعني : النص الديني.

مهدي بوعبيد

16/03/2018

حور العين أصل الأسطورة

حور العين أصل الأسطورة :

ما زالت هناك عدة أساطير تملأ القرآن والمفاهيم الإسلامية والفقهية منها بالخصوص، و كلها تلتقي عند نفس المصادر، حيث تم اقتباسها من نفس التراث الإنساني بمروياته و ملاحمه القديمة … !!!

الإسراء و المعراج، و حادثة شق الصدر و عذاب القبر و ناكر و منكر و الثعبان الأقرع، و الحج و مناسكه و الطوفان و قصة الخلق الأولي و الخطيئة الأولى و جنة عدن و الطرد منها و النزول إلى الأرض و الولادة من عذراء ثم قصة المكافأة الإلهية بالنساء الحور العين في الحياة الآخرة.

"حلم مؤمن" لوحة للرسام الفرنسي Achille Zo, تصور مشهدا للجنة كما جاء وصفها في القرآن, اللوحة موجودة حاليا بمتحف مدينة Bayonne بفرنسا.
“حلم مؤمن” لوحة للرسام الفرنسي Achille Zo, تصور مشهدا للجنة كما جاء وصفها في القرآن, اللوحة موجودة حاليا بمتحف مدينة Bayonne بفرنسا.

و على عكس ما يعتقده المسلمون اليوم، فالقرآن ليس أول كتاب ديني مقدس يتحدث عن ما يسمى بالحور العين في جنات عدن مكافأة للمؤمنين المخلصين الذين ضحوا بحياتهم في سبيل الدين أو الآلهة، فقد ورد ذكرهم على سبيل المثال في الديانات الوثنية القديمة التي استوطنت شمال أوروبا (ألمانيا، النرويج، الدانمارك … ) و التي انتشرت بين قبائل الفيكينغ (Viking) و كن يسمين ب (الفالكيري Valkyrie) و هن فتيات فاتنات عذراوات يرسلهن الإله Odin لساحات المعارك لكي يحملن إليه أرواح المقاتلين الشجعان الأشداء الذين قتلوا في ساحة المعركة، ﻷخذهم إلى جنة فالهالا الأبدية (Valhalla) التي أعدها الإله لهم في العالم الآخر.

مشهد تخيلي للفالكيري Valkyrie و هي تأخذ روح محارب من VIKING ساحة المعركة.
مشهد تخيلي للفالكيري Valkyrie و هي تأخذ روح محارب من VIKING ساحة المعركة.

كما تتحدث الديانة الزرادشتية عن أرواح الغادات الغانيات المضيئات في السماء، و هن بنفس الوصف نسوة جميلات يعتبرن مكافأة أبطال الحروب الذين يدخلون الجنة الأبدية الوجود مع الحور والولدان، كما يرد ذكرهن في الديانات الهندوسية القديمة بنفس الصورة في نصوص الفيدا و المهابهاراتا.

وكلمة حوري في لغة أوستا (وهي من لغات الفرس القديمة).تعني الشمس وضوءها الباهر، وفي اللغة البهلوية القديمة تسمى(هور) وفي لغة الفرس الحديثة (حنور) وقد لفظها العرب (حور) (كتاب شرائع منوا فصل 5 البيت 89). فجرياً على هذه العقيدة الفارسية القديمة والتعبير الفارسي قال القرآن: حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الخِيَامِ (سورة الرحمن 55: 72). وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ المَكْنُون (سورة الواقعة 56: 22 و23).

10422064_1628289720731862_1857077078476002019_n

و كما ترون فهاته المفاهيم العديدة التي تملأ الإسلام ليست إلا استمرارية طبيعية للموروث الإنساني القديم الذي تشاركت فيه التجمعات البشرية الأولى كملاحم أسطورية و مرويات تناقلها الناس من جيل إلى جيل، و كل منها أضاف إليها وزاد فيها و نقص منها ما يناسبه، لكن تبقى التيمة الرئيسية للأحداث ثابتة بدون تغيير، لتتحول فيما بعد لتراث إنساني مشترك، إستخدمته الأديان عندما اقتبست منه قصصا لترويها بدورها في كتبها المقدسة، لكن إستيعاب هذه الرؤية المادية البحتة يتطلب شجاعة كبيرة لوضع كل أشكال التقديس الغيبي جانبا و الإلتزام بالمنهج المادي التاريخي الذي يأخذ بالأدلة المادية الموثقة بعبدا عن محاولات التأويل العشوائي، و هي في حد ذاتها مهمة شبه مستحيلة في العالم الإسلامي اليوم، ﻷن الكهنوت الديني يتسلط على العقول و يمنعها بكل الوسائل من الخوض في مجمل هذا الجانب المعرفي، ﻷنه يعلم تمام العلم أنه متى بدأ المؤمنون يطرحون هاته الأسئلة الحساسة، فسوف يهدم بنيان المقدس الغيبي مثل قصر من الرمال، و بالتالي سوف يفقد الكهنوت أي سلطة روحية على عقول البشر، تماماً كما حدث و يحدث مع المسيحية الآن، التي باتت تتنازل كل يوم شيئاً فشيئاً، و تتراجع عن مجال نفوذها مستسلمة لسلطة العقل.

لكن تلك قصة أخرى … !!!

مهدي بوعبيد