التدخّلات القرآنيّة في الحياة الشخصية للنبي‎ محمد

الفصل بين c الإيمان و محمد التاريخ :
و إذ نرى أنّ القرآن نزل لتبرئة عائشة في حادثة الإفك بعد حدوثها بعدة أسابيع فإنّه لن يتوقّف عند ذلك الحدّ, فسيهتمّ القرآن أكثر بحياة النبيّ العائليّة – و قد كان من قبل مقلاّ في هذا الأمر – و سيركّز القرآن في تلك الفترة على علاقات النبيّ مع النساء, ممّا يجعل عائشة تقول للنبيّ : إنّ الله يسارع في هواك : ’’1’’ عن هشام عن عروة عن أبيه قال كانت خولة بنت حكيم من اللائى وهبن أنفسهن للنبي  فقالت عائشة أما تستحي المرأة أن تهب نفسها للرجل فلما نزلت { ترجي من تشاء منهن } قلت يا رسول الله ما أرى ربك إلا يسارع في هواك قال البخاري رواه أبو سعيد المؤدب ومحمد بن بشر وعبدة عن هشام عن أبيه عن عائشة يزيد بعضهم على بعض وفي حديث زكريا بن يحيى عن أبي أسامة عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت كنت أغار على اللائي وهبن أنفسهن لرسول الله  وذكر نحوه وكذا في رواية أبي كريب عن أبي أسامة عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت وذكر نحوه وفيه فلما أنزل الله { ترجي من تشاء منهن } قالت قلت والله ما أرى ربك إلا يسارع في هواك.
و من ضمن هذه التدخّلات القرآنيّة هو زواجه من زينب بنت جحش.
و ذلك أنّ النبيّ ’’2’’ جاء بيت زيد يطلبه فلم يجده، فتقدمت إليه زينب، فأعرض عنها، فقالت له: هو ليس هنا يا رسول الله فادخل، فأبى أن يدخل وأعجبت زينب بنت جحش رسول الله، لأن الريح رفعت الستر فنظر إليها من غير قصد و هي تلبس ثوبا خفيفا فوقعت في نفسه، فرجع وهو يقول «سبحان مصرّف القلوب» وفي رواية أخرى «مقلب القلوب» وسمعته زينب يقول ذلك، فلما جاء زيد أخبرته الخبر، فجاء إليه وقال: يا رسول الله لعل زينب أعجبتك فأفارقها لك، فقال له رسول الله : أمسك عليك زوجك
لكنّ ابن كثير ’’3’’ يرويها بطريقة أخرى [ موردا رأيه في الرواية أعلاه] : وقد ذكر غير واحد من المفسرين، والفقهاء، وأهل التاريخ في سبب تزويجه إياها عليه السلام حديثاً ذكره أحمد بن حنبل في مسنده، تركنا إيراده قصداً لئلا يضعه من لا يفهم على غير موضعه. ثمّ يقول: ’’4’’
وقد تكلم كثير من السلف ها هنا بآثار غريبة، وبعضها فيه نظر، تركناها (…) ثم روى البيهقي: من طريق عفان، عن حماد بن زيد، عن ثابت، عن أنس قال: جاء زيد يشكو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من زينب بنت جحش فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أمسك عليك أهلك)) فنزلت {وتخفي في نفسك ما الله مبديه}
ثم قال أخرجه البخاري: عن محمد بن عبد الرحيم، عن يعلى بن منصور، عن محمد مختصراً
لكن لماذا جاء زيد إلى النبيّ يشكو من زوجته زينب ؟
نعود إلى القصّة من البداية و قبل أن يتزوّج بها زيد أصلا:
ذهب النبيّ  ’’5’’ ليخطب فتاة لزيد بن حارثة فدخل على زينب بنت جحش الأسدية فخطبها [ أي أنّ النبيّ أراد تزويج زينب لزيد ] قالت: لست بناكحته قال: بلى فانكحيه قالت: يا رسول الله أوامر في نفسي ,فبينما هما يتحدثان أنزل الله هذه الآية على رسول الله : (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا (36) سورة الأحزاب,  وقالت: قد رضيته لي يا رسول الله منكحا قال: نعم قالت: اذن لا أعصي رسول الله قد أنكحته نفسي “
و كما نلاحظ فقد رفضت زينب منذ البداية الزواج من زيد, لأنّها خير منه حسبا :
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ” خطب رسول الله زينب بنت جحش لزيد بن حارثة فاستنكفت منه وقالت: أنا خير منه حسبا وكانت امرأة فيها حدة فأنزل الله وما كان لمؤمن ولا مؤمنة
و القرآن تدخّل مرّتين في أمرها: مرّة في تزويجها من زيد و مرّة في تطليقها منه و تزويجها من النبيّ!
لذلك فإنّها كانت – و على ما يبدو – تطمع في الزواج من النبيّ, فليس من الغريب أن تكون قد أثارته تعمّدا منها و هو ما حدث فعلا, بل و أخبرت زيدا بذلك, و ربّما فكّر زيد في حاله فهو في الأخير كان مملوكا للنبيّ و لا يستطيع أن يخالف أمر سيّده [ خاصّة أنّ القرآن تدخّل و إذا رفض زيد فهو لا يعصي النبيّ فقط بل و يعصي الله, ثمّ إنّ زوجته لا تريده]
و العجيب في الأمر هو أنّ النبيّ أرسل زيدا نفسه ليخطب له زينب! : ’’7’’ وقال الإمام أحمد: حدثنا هاشم – يعني ابن القاسم – حدثنا النضر، حدثنا سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس قال: لما انقضت عدة زينب قال النبي لزيد: «اذهب فاذكرها علي». [ أي اذهب و اخطبها لي ].
فانطلق حتى أتاها، وهي تخمر عجينها قال: فلما رأيتها عظمت في صدري، حتى ما أستطيع أن أنظر إليها، إن رسول الله ذكرها، فوليتها ظهري، ونكصت على عقبي، وقلت: يا زينب أبشري أرسلني رسول الله بذكرك،[ يقول لها أبشري, فإمّا أنّه مؤمن إيمانا قاطعا أنّ النبيّ لا يتصرّف من نفسه و أنّ الله هو الذي أمر بذلك, و الله أعلم و أحكم منه حتّى و إن كان الأمر يمسّ زوجته, و إمّا أنّه لم يرد إغضاب النبيّ و هو سيّد نعمته و قال في نفسه أنّ النساء غيرها كثير, كما أنّ القرآن ذكّره بقدره الحقيقيّ حين قال: (واذ تقول للذي انعم الله عليه وانعمت عليه  ) ] قالت: ما أنا بصانعة شيئا حتى أؤامر ربي عز وجل.
و قام النبيّ بعدها بإعداد وليمة ثمّ دخل بزينب دون عقد زواج, تقول زينب: ’’8’’  فلما انقضت عدّتي لم أشعر إلا والنبي [دخل عليّ ] وأنا مكشوفة الشعر فقلت: هذا أمر من السماء دخلتَ يا رسول الله بلا خطبة ولا شهادة, قال: الله المزوّج وجبريل الشاهد.
و يلخّص لنا السيوطي القصّة: ’’9’’
وأخرج الطبراني والبيهقي في سننه وابن عساكر من طريق الكميت بن يزيد الأسدي قال: حدثني مذكور مولى زينب بنت جحش قالت ” خطبني عدّة من أصحاب النبي  فأرسلت اليه أخي يشاوره في ذلك [أي من الذي يريد الزواج من زينب؟ ] قال [ أي النبيّ ]: زيد بن حارثة ,فغضبتْ وقالتْ: تزوّج بنتَ عمّتك مولاك ؟ ثم أتتني فأخبرتني بذلك فقلت: أشدّ من قولها وغضبتُ أشدّ من غضبها, فأنزل الله تعالى وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن تكون لهم الخيرة من أمرهم, فأرسلتُ اليه زوّجني من شئت, فزوّجني منه فأخذته بلساني [أي أنّ زينب حين تزوّجت من زيد قامت بتعييره  و أنّها خير منه] فشكاني إلى النبي  فقال له: اذن طلّقها, [ في البداية قال له أمسك عليك زوجك, و لكنّ السيوطي يختصر القصّة هنا, و ربّما اكتشف النبيّ أنّه أخطأ من تزويح زيد من زينب,حيث أنّها لا تريده أبدا, و لكنّ المشكل أنّه انزل فيهما قرآنا و بالتالي و لكي يطلّقهما أنزل أيضا قرآنا ]  فطلّقني فبتّ طلاقي, فلما انقضت عدّتي لم أشعر إلا والنبي  وأنا مكشوفة الشعر فقلت: هذا أمر من السماء دخلت يا رسول الله بلا خطبة ولا شهادة قال: الله المزوّج وجبريل الشاهد .
فالله و جبريل يتابعان هذه القصّة منذ البداية, و القرآن يقوم بالتوثيق, و المسلمون – فيما بعد – يقرؤونها في صلواتهم و يتعبّدون بها .. !!
 *****************************************************************************
الرجل و بكل بساطة أعجب بزوجة إبنه بالتبني بعدما راقه ما رأى منها، فعمد إلى فعل ما فعل و إخراج ما أخرج من الآيات التي تخول له الوصول إلى مبتغاه دون أن تلحق به سبة الدهر، و تم التلاعب بالأمر عبر جعل الهدف الإلهي الأسمى هو إزالة الحرج على الرجال في تزوج مطلقات أولادهم بالتبني، و إنتهى الأمر بتحريم التبني في الإسلام بشكل نهائي.
المشكلة الكبرى هنا، هي أن الأمر به من الشبهات و الريبة ما يطعن في مسألة النبوة بأكملها، فالله من فوق سبع سموات يترك كل شيء و يتدخل في الحياة الشخصية البحتة للنبي و في مشاعره و ينزل جبريل بالوحي الإلهي لكي يصرح بما أخفاه الرجل في صدره و يمنحه تصريحا سماويا ليتزوج بطليقة إبنه بالتبني، و الأدهي من كل هذا هو أنه يبعث بزيد ليخطب له طليقته، ثم تقبل المرأة لكون زواجها من النبي قد أصبح أمراً إلهيا و لم يعد بإمكانها و هي المؤمنة أن ترفض أو تجادل في أمر قرره الله من فوق سبع سموات و أنزل فيه آيات بينات من الوحي، لتنقضي بعد ذلك عدتها فيدخل بها دون خطبة و لا شهادة، و يعلل ذلك بكون الله هو المزوج و جبريل هو الشاهد، و يقال أن زينب نفسها فيما بعد كانت تتباهى على باقي زوجات النبي بقولها : “كلكن زوجكن أولياءكن، أما أنا فزواجي ثم طلاقي ثم زواجي من النبي كان بأمر من الله و وحي من ملاكه جبريل” … !!!
لست كيف تظهر المسالة بالنسبة لكم، لكن فيما يخصني أنا أرى فيها دعوة صريحة ﻹعادة النظر في أمر النبوة و الوحي من الأساس … !!!
المصادر :
1-الجمع بين الصحيحين للحميدي/الجزء الخامس
2-السيرة الحلبيّة / برهان الدين الحلبي/غزوة بحران و راجع الكامل في التاريخ/ ابن الأثير/الجزء الأوّل
3-البداية و النهاية / ابن كثير/الجزء الرابع
4-المصدر السابق
5-الدرّ المنثور/السيوطي/سورة الأحزاب
6-المصدر السابق
7-البداية و النهاية/ابن كثير/الجزء الرابع
8-الدرّ المنثور/السيوطي/سورة الأحزاب
9-المصدر السابق

مهدي بوعبيد

19/072018