هل القرآن عربى مبين فعلا ؟؟!

هناك نصوص قرآنية عديدة تؤكد أن القرآن قد كتب بلسان عربي مبين، نذكر من بينها ما يلي :

(سورة يوسف 12: 2) “إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون”

(سورة طه 20: 113) “وكذلك أنزلناه قرآنا عربيا “

(سورة الزمر 39: 28) “قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون”

(سورة فصلت 41: 3) “كتاب فصلت آياته، قرآنا عربيا لقوم يعلمون”

(سورة الشورى 42: 7) “وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها”

(سورة الزخرف 43: 3) “إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون”

(سورة الأحقاف 46: 12) “لسانا عربيا لينذر الذين ظلموا”

(سورة الشعراء 26: 193و195) “نزل به الروح الأمين .. بلسان عربي مبين”

(سورة النحل 16: 103) “وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ”

و قد إتفق المفسرون على إختلاف مذاهبهم على كون هاته الآيات تؤكد و تجزم على أن القرآن قد أنزل بلسان عربي من أفصح ما تحدثت به عرب الجزيرة بإختلاف لهجات القبائل عند بداية الدعوة المحمدية.

لكن مهلا، إلى جانب هاته الآيات، يؤكد المفسرون أيضا و من أبرزهم جلال الدين السيوطي، على كون القرآن يحتوي على العشرات من الكلمات الأجنبية بعدة لغات كانت معروفة و تحدثت بها شعوب المنطقة من اليمن و الجزيرة العربية و الشرق الأوسط و آسيا الصغرى و منطقة البحر الأبيض المتوسط و شمال إفريقيا، نذكر من بينها اللغات التالية : الآرامية، العبرية، الفارسية، البهلوية، الهندية، الحبشية، القبطية، الأمهرية و عدة لغات أخرى من نفس الفترة التاريخية التي كتب فيها القرآن.

هذا النقش عثر عليه في منطقة مدائن صالح في المملكة السعودية, و تظهر الكتابة على يسار المخطوطة عبارة عن خليط من النبطية والعربية التي ليس بها أي نقاط أو علامات ترقيم. والكتابة العمودية إلى يمينها هي كتابة ثمودية.
هذا النقش عثر عليه في منطقة مدائن صالح في المملكة السعودية, و تظهر الكتابة على يسار المخطوطة عبارة عن خليط من النبطية والعربية التي ليس بها أي نقاط أو علامات ترقيم. والكتابة العمودية إلى يمينها هي كتابة ثمودية.

و قد عدد المفسرون أكثر من 200 كلمة أعجمية، إليكم قائمة غير حصرية ببعضها :

في “تأريخ القرآن” للشيخ إبراهيم الابياري (طبعة دار الكتاب المصري بالقاهرة سنة1981م ص 190) أورَد بعض الأمثلة للألفاظ الأعجمية في القرآن، وأشار إلى كتاب البرهان في علوم القرآن للزركشي [ج1 ص 288]، وكتاب الاتقان في علوم القرآن للسيوطي الجزء الأول الصفحة 139

– الطور: سريانية، معناها: الجبل
* البقرة2: 63 وغيرها ” وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ

ـ طفِقا: رومية، معناها: قصدا
* الأعراف7: 22 ” وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ”

ـ الرقيم: رومية، معناها: اللوح
* الكهف18: 9 ” أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا”

ـ هدنا: عبرانية، معناها: تُبْنا
* الأعراف7: 156 ” وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ “

ـ طه: عبرانية، معناها: طأْ يا رَجُل
* سورة طه20: 1 “طه مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى”

ـ سينين: عبرانية، معناها: حسن
* التين95: 2 ” وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ”

ـ السجل: فارسية، معناها: الكتاب
* الأنبياء21: 104 ” يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ”

ـ الاستبرق: فارسية، معناها: الغليظ
* الدخان44: 53 ” يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ”

ـ السندس: هندية، الرقيق من الستر
* الدخان44: 53 ” يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ”

ـ السرىُّ: يونانية، معناها: النهر الصغير
* مريم19: 24 ” فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا”

ـ المشكاة: حبشية، معناها: الكوة
* النور24: 35 ” اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ”

ـ الدري: حبشية، معناها: المضيء
* النور24: 35 ” الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ. الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ”

ـ ناشئة الليل: حبشية، معناها: قام من الليل
* المزمل73: 6 ” إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا”

ـ كِفْلين: حبشية، معناها: ضعفين
* الحديد57: 28 ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ “

ـ القَسْوَرَة: حبشية، معناها: الأسد
* المدثر74: 51 ” فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ”

ـ الملة الأخرى: قبطية، معناها: الأولى
* سورة ص38: 7 ” مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ”

ـ وراءهم: قبطية، معناها: أمامهم
* الكهف18: 79 “وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا” (الطبري وَكَانَ أَمَامهمْ مَلِك)

ـ بطائنها: قبطية، معناها: ظواهرها
* الرحمن55: 54 ” مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ”

ـ أباريق: فارسية، معناها: أواني
* الواقعة56: 18

ـ إنجيل: يونانية، معناها: بشارة
* آل عمران3: 48

ـ تابوت: قبطية، معناها: صندوق
* البقرة2: 247

ـ جهنم: عبرية، معناها: النار
* الأنفال8: 36

ـ زكاة: عبرية، معناها: حصة من المال
* البقرة2: 110

ـ زنجبيل: بهلوية، معناها: نبات
* الإنسان76: 17

ـ سجَّيل: بهلوية، معناها: الطين المتحجر
* الفيل105: 4

ـ سرادق: فارسية، معناها: الفسطاط
* الكهف18:29

ـ سورة: سريانية، معناها: فصل
* التوبة9: 124

ـ طاغوث: حبشية، معناها: الأنداد
* البقرة2: 257

ـ فردوس: بهلوية، معناها: البستان
* الكهف18: 107

ـ ماعون: عبرية، معناها: القدْر
* الماعون107: 7

مخطوطة مما يسمى بمصحف عثمان من مكتبة مسجد خاست بمدينة طشقند, أوزبكستان
مخطوطة مما يسمى بمصحف عثمان من مكتبة مسجد خاست بمدينة طشقند, أوزبكستان

لو أخذنا القرآن ككتاب دين و”نسبيا” ككتاب تاريخ فإن وجود هذه الكلمات داخل آياته يصبح شيئا طبيعيا جدا بالنظر إلى الفترات التاريخية التي كتب و جمع فيها (بغض النظر عن تفاصيل و تاريخ جمعه و الأحداث التي رافقت هذه العملية)، و كلنا نعلم أن اللغة العربية لم تكن لغة متكاملة في فترة نزول القرآن، فلم تكن لها قواعد نحو و صرف معروفة و ثابتة، و كانت تكتب بحروف بدائية و محدودة بدون نقاط و لا تشكيل و لا قواعد إعراب، مما كان يجعل للكلمة الواحدة عدة معان تبعا لطريقة قراءتها و مكان وضع النقاط فوق الحروف (و هذا هو السبب في وجود عدة قراءات في القرآن لدى العرب اليوم، من بينها القراءات السبع المعروفة و المتفق عليها، و عشرات القراءات الأخرى المسماة بالشاذة)، و قد كانت اللغة تكتب بالخط النبطي، و السبب في ذلك هو أن العرب قد كانوا قوما رحل يعيشون حياة البداوة متنقلين بين دروب الصحراء بحثا عن الماء و الكلأ، و بسبب إنعدام أسباب الإستقرار الجغرافي للمجمعات البشرية التي كانت تشكل قبائل الجزيرة آنذاك، لم تتطور لديهم لغة مكتوبة ثابتة و واضحة، و إن كان أغلب من يكتب لديهم يفعل ذلك بالسريانية و الآرامية التي كانت منتشرة جدا حينها، و بالتالي لم تتطور لديهم الكتابة إلا عندما غيروا نشاطهم الإقتصادي نحو التجارة بين اليمن جنوبا و الشام و العراق و فارس شمالا، فظهرت لديهم الكتابة النبطية أخذا عن مملكة النبط التي كانت عاصمتها البتراء (الأردن اليوم)، و هذا التغيير يعتبر أول مدخل حقيقي نحو التمدن و الحضارة لدى العرب، حيث دخلت أساليب جديدة في العمران و البناء و اللباس و الحياة بشكل عام، و كانت في مجملها تأثيرا إجتماعيا ناتجا عن التعرف على حضارات أخرى خلال التجارة بين اليمن جنوبا و العراق و فارس و الشام.

 و لم يتم وضع قواعد النحو و التنقيط و الكتابة للغة العربية إلا بعد عدة سنوات من نزول القرآن، و قد كانت أولى المحاولات على يد القاضي أبي الأسود الدؤلي خلال خلافة علي بن أبي طالب (يصر الشيعة على كونه قد فعل ذلك بأمر و تعليم من علي نفسه)، لكن يبقى سيبويه الفارسي هو أول من وضع قواعد النحو و التنقيط في اللغة العربية بشكل منهجي و مفصل في كتابه الذي سمي “الكتاب” ( لأن سيبويه لم يضع له عنوانا) و قد أُلِّفَ الكتاب في القرن الثاني للهجرة الموافق للقرن الثامن الميلادي، و عدا ذلك فقد بقيت دواوين الدولة الأموية تكتب باللغة الفارسية و السريانية و ذلك حتى مجيء الخليفة الأموي عبد الملك ابن مروان الذي قام بتعريبها باقتراح من الحجاج بن يوسف الذي كلفه بالمهمة، و قد قام  بنقط حروف المصحف وإعجامه بوضع علامات الإعراب على كلماته، وذلك بعد أن انتشر التصحيف، ونُسب إليه تجزئة القرآن، ووضع إشارات تدل على نصفه و ثلثه و ربعه و خمسه، و فرض قراءة واحدة هي قراءة عثمان بن عفان، وترك غيرها من القراءات التي كانت معروفة و منتشرة آنذاك، و أنهى مهمته بأن كتب مصاحف عديدة موحدة وبعث بها إلى مختلف مناطق الإمبراطورية الأموية، و يحق لنا التساؤل عنا عن شكل و مضمون باقي المصاحف التي جمعت و أحرقت و تم تعويضها بمصحف الحجاج و عبد الملك.

نقش النَّمارة أو حجر نمارة أو كما يعرف ب نقش إمرئ القيس هو ما يُعتقد أنه مرحلة سابقة للعربية الفصحى، ويرجع تأريخه إلى عام 328م وكان قد كتب بالخط النَّبطي المتأخر. وقد عثرت عليه البعثة الفرنسية في مطلع القرن العشرين في قرية النمارة شرقي جبل العرب بسورية.
نقش النَّمارة أو حجر نمارة أو كما يعرف ب نقش إمرئ القيس هو ما يُعتقد أنه مرحلة سابقة للعربية الفصحى، ويرجع تأريخه إلى عام 328م وكان قد كتب بالخط النَّبطي المتأخر. وقد عثرت عليه البعثة الفرنسية في مطلع القرن العشرين في قرية النمارة شرقي جبل العرب بسورية.

 

و من الضروري هنا التعريج على نقطة مهمة تتكرر كمغالطة تاريخية عند أي نقاش حول تاريخ اللغة العربية، حيث يعمد البعض إلى إستخدام إكتشاف أركيولوجي مهم من أجل الإستدلال على كون اللغة العربية سابقة تاريخيا على الإسلام.

يتعلق الأمر بنقش النمارة و هو نقش مكتوب على شاهد قبر من حجر البازلت إكتشفه مستشرقان فرنسيان عام 1901 في منطقة النمارة بجبل الدروز أو جبل حوران بالقرب من مدينة السويداء في سوريا.

و حسب ما ذكره غالبية المختصين حين تم الإكتشاف فالنقش هو شاهد قبر لشخص يدعى امرؤ القيس بن عمرو الأول و هو أحد ملوك المناذرة في الحيرة قبل الإسلام و قد كان حكمه تابعا لبيزنطة في الفترة التاريخية ما بين 295 و 328 ميلادية، و النص المنقوش مكتوب بالأبجدية النبطية (المأخوذة من مملكة النبط في الأردن)، و إن كانت هنالك ترجمات مختلفة لمعنى النص، تم تغييرها حسب تفسيرات المختصين ما بين عام 1905 و 1985 وصولا لعام 2009.

المشكلة هنا هي أن من يدافعون عن كون اللغة العربية أقدم من تاريخ ظهور الإسلام، يقومون بالخلط بين امرؤ القيس بن عمرو الأول الذي ورد ذكره كملك في النص النبطي و بين الشاعر الجاهلي إمرؤ القيس بن حجر بن الحارث الكندي و هو أحد كبار شعراء المعلقات (رغم إعتراضي على ما يسمى بالشعر الجاهلي الذي أثبت العظيم طه حسين أن أغلبه منحول). و الشخصية الثانية أي إمرؤ القيس بن حجر بن الحارث الكندي قد عاش في الفترة ما بين 520 و 565 ميلادية، أي حوالي 200 سنة بعد إمرؤ القيس بن عمرو الأول.

الأمر يتعلق بشخصيتين مختلفتين، بينما يتم الإستدلال بالثاني على أنه الأول و بالتالي ينطلق دعاة هذه المغالطة من كونه شاعرا جاهليا عظيما و صاحب تمكين و فصاحة في اللغة، لإثبات كون اللغة العربية ذات أصول قديمة جدا تعود للقرن الثالث بعد الميلاد، مما ينفي الحاجة للغة الآرامية ما دامت اللغة العربية منتشرة و متطورة للحد الذي يسمح بكتابة شعر متمكن و أصيل ذو متانة و عمق و ثراء لغوي كبير قبل 4 قرون من ظهور الإسلام، بينما لو كان الأمر كذلك فعلا و كان النقش يتحدث عن شاعر عربي ذاع صيت شعره الغزير بين العرب (من أقاصي اليمن جنوبا إلى بيزنطة شمالا) و صاحب لغة عميقة و قوية التغبير بالشكل الذي نقرأه في الأبيات الشعرية المنسوبة له، لكان من غير المنطقي أن يكتب شاهد قبره بالأبجدية النبطية، ألم يكن من الأجدر حينها أن يكتب باللغة العربية و هي لغته الأم التي برع فيها كما يقول تاريخ الشعر الجاهلي … ؟؟!

بينما يؤكد لنا التاريخ الموثق أن اللغة العربية في الفترة التي سبقت الإسلام كانت لغة شفوية تتحدث بها عدة قبائل موزعة بين نجد و الحجاز و بادية السماوة شمال الجزيرة و لم تكن مكتوبة نظرا لغياب الحروف الأبجدية أولا و لذلك كانت تكتب بالحروف النبطية (تماما مثل نقش النمارة)، و النبطية أصلا مشتقة من اللغة الآرامية التي كانت تتحدث بها قبائل بادية الشام و العراق و الأردن طيلة قرون، و قد وصلت للجزيرة العربية مع دخول الجمل للصحراء و الذي سمح لعرب الجنوب بالتنقل الدائم نحو الشام و بادية الأردن بغية التجارة، حيث أخذوا عدة مظاهر حضارية عن شعوب المنطقة آنذاك، من بينها اللغة و الأبجدية و العمران و أشكال اللباس، و قد إستمر الأمر كذلك حتى بعد مجيء الإسلام، فحتى عندما تطورت الأبجدية العربية بحروفها الخاصة كانت تكتب بدون تنقيط و لا تشكيل أو حروف مد و لم تكن لها قواعد نحو و صرف و إعراب.

و من تم كانت أولى محاولات تنقيط اللغة على يد أبي الأسود الدؤلي خلال خلافة علي بن أبي طالب، تلته محاولات ناجحة على يد الحجاج بن يوسف الثقفي خلال حكم عبد الملك بن مروان، لتنتهي بمنهجية شاملة و مفصلة في التنقيط و النحو و قواعد الإعراب على يد الفارسي سيبويه خلال القرن الثاني الهجري الموافق للقرن الثامن الميلادي، أي حوالي 6 قرون بعد الفترة التي نقش فيها شاهد القبر بالأبجدية النبطية الذي يتحدث عن إمرئ القيس ملك الحيرة.

أي أن مسار تطور اللغة العربية هو بالفعل متأخر جدا عن تاريخ كتابة القرآن كما نعرفه اليوم.

من جهة أخرى و بالمفهوم الديني المطلق، تعتبر اللغة العربية لغة مقدسة منزلة من عند الله، فالقرآن في الإسلام  يتجاوز مفهوم الكتاب المقدس المتعارف عليه في الأديان الإبراهيمية، بحيث يصبح مكتوبا في اللوح المحفوظ و منزلا من السماء عبر الملاك المرسل من عند الله جبريل على محمد في إطار ما يسمى بالوحي، بل يذهب المفهوم أبعد من ذلك حين يصر على كون اللغة العربية لغة أهل الجنة في الآخرة، ويصر شيوخ و رجال الدين منذ بداية الإسلام على أن أول من نطق باللغة العربية هو إسماعيل الذي ترك لغة ابيه وفي سن الرابعة عشر بعد أن ألهمه الله هذه اللغة السماوية (مقدمة ابن خلدون الجزء الثاني، الصفحة 86 ) ويقول بعضهم أن اللغة العربية هي التي كان يتكلم بها آدم أبو البشرية، و أن الله قد علمه إياها قبل نزوله من الجنة، و هي كلها تفسيرات خرافية و غيبية ذات نزعة و توجه قومي أخرق يرتبط أساسا بالفترة التي بدأ فيها عرب الجزيرة بغزو و إحتلال شعوب المناطق المجاورة لهم، في إطار ما يسمى زورا (بالفتوحات) الإسلامية، بينما هي في حقيقة الأمر سعي وراء إنشاء و مد إمبراطورية سياسية و عسكرية.

و هذا ما ينافي العقل و المنطق السوي، و ينافي كذلك ما أوردته كتب التاريخ حول تاريخ العرب كمجموعات بشرية و قبائل موزعة بين اليمن و نجد و الحجاز، و هي بحكم تحركها و تنقلها الدائم كرحل و وقوافل تجارة بعد ذلك، إحتكت بشعوب المنطقة و من الطبيعي جدا أن تتحدث مختلف اللغات التي كانت سائدة آنذاك، و هي نفس اللغات التي وجدت عدة مفردات و كلمات من بينها وسط القرآن الذي يصر المفسرون على كونه عربيا خالصا.

مخطوطات صنعاء هي مجموعة من المخطوطات والرقائق القرآنية تبلغ حوالي 4500 مخطوطة، كتبت بالخط الكوفي والحجازي وغيرها من الخطوط غير المنقوطة، تعد من أقدم النصوص القرآنية الموجودة تم اكتشافها مع عدد من المخطوطات التاريخية في الجامع الكبير بصنعاء القديمة عام 1972.
مخطوطات صنعاء هي مجموعة من المخطوطات والرقائق القرآنية تبلغ حوالي 4500 مخطوطة، كتبت بالخط الكوفي والحجازي وغيرها من الخطوط غير المنقوطة، تعد من أقدم النصوص القرآنية الموجودة تم اكتشافها مع عدد من المخطوطات التاريخية في الجامع الكبير بصنعاء القديمة عام 1972.

بل إن كلمة قرآن نفسها ليست كلمة عربية في الأصل بل سريانية، و قد أخذت عن كلمة قريانا السريانية، و هي تعمي كتاب الصلوات الكنسية، و قد أخذ الإسم من اللغة السريانية، لتشابه السياق بين كتاب المسلمين المقدس و كتاب الصلوت الكنسية لدى السريان، بل حتى تسمية فرقان نفسها ليست عربية بل سريانية أيضا و تعني الخلاص بالمفهوم المسيحي الصرف، أي فداء البشرية و خطايا الناس بصلب المسيح، و كلمة سورة أيضا ليست عربية بل سريانية و أصلها شورة، و تعني : النص الديني.

مهدي بوعبيد

16/03/2018

ميثرا … المسيح الوثني بين الهندوسية و الزرادشتية – الجزء الأول

هو إله هندو-إيراني قديم يعود أصله إلى حقبة ما قبل إنفصال الحضارتين الهندية و الفارسية القديمة، و لعل هذا هو سبب وجود أنشودة كاملة بإسمه في كتاب (الريغ فيدا) الهندوسي المقدس، رغم أن ميثرا لم يعد له وجود في مجمع الآلهة الهندوسية بعد انفصال الحضارتين قبل آلاف السنين.

منحوتة تعود للحقبة الرومانية تمثل الولادة المعجزة للإله ميثرا من الصخرة، و قد عثر عليها شمال بريطانيا و توجد حاليا بمتحف نيوكاسل.
منحوتة تعود للحقبة الرومانية تمثل الولادة المعجزة للإله ميثرا من الصخرة، و قد عثر عليها شمال بريطانيا و توجد حاليا بمتحف نيوكاسل.

 

يعرف ميثرا في الميثولوجيا الفارسية القديمة بكونه إبن (آناهيتا) أو ناهد في اللغة الفارسية الحالية، و معناها “الطاهرة” أو “النقية بدون خطيئة” و هي أيضا آلهة فارسية  قديمة تمثل التصور الفارسي لآلهة بلاد الرافدين الربة (عشتار)، التي بعدها الآكاديون و البابليون و الآشوريون، كما أنها تماثل آلهة النهر الهندية القديمة (ساراسواتي) و هي زوجة و أخت الإله (براهما) كما تذكر ملحمة (الماهابهاراتا) الهندوسية القديمة، و في سياق آخر يستخدم إسم (ناهد أو ناهيد) في الفارسية القديمة لتسمية كوكب الزهرة (Venus)، و قد عثر على نقش قديم في أحد المعابد المخصصة لهاته الآلهة يقع في مدينة (كنكاور – Kangouar) في منطقة كرمنشاه غرب إيران  يصفها بالكلمات التالية : ” آناهيتا العذراء، الطاهرة، أم الرب ميثرا “.
تمثال يصور الإلهة الفارسية القديمة آناهيتا، يعود للقرن الخامس قبل الميلاد، و يوجد حاليا بالمتحف البريطاني.
تمثال يصور الإلهة الفارسية القديمة آناهيتا، يعود للقرن الخامس قبل الميلاد، و يوجد حاليا بالمتحف البريطاني.
 يعود أصل الإله ميثرا لحوالي 2000 سنة قبل الميلاد، و تصفه الميثولوجيا الفارسية القديمة بأنه إله الشمس و النور، و اله الصداقة و المعاهدات، و قد ذكر إسمه في أقدم أثر أركيولوجي مسجل يعود للعام 1350 قبل الميلاد، كشاهد على معاهدة بين الملك الحيثي (شوبيلوليوما) و الملك الميتاني (ماتيوازه)، لكن عدا ذلك، لم يعثر على أية آثار أركيولوجية اخرى في إيران أو شبه القارة الهندية تخبرنا عن تفاصيل محددة في ما يخص طقوس عبادة هذا الإله، أو معابد أو منحوتات، و أغلب ما نعرفه عنه اليوم خلال الحقبة الهندو-إيرانية يعود إلى النصوص القديمة التي روت بعض التفاصيل عنه حيث ذكر في كتاب (الريغ-فيدا) الهندوسي كإله ثانوي يساعد الإله (فارونا-Varuna) إله السماء و البحر و يعتبر حارسا لمفاهيم إيجابية كالصداقة و المعاهدات بين البشر، و لهذا كانت طقوسه مرتبطة أكثر بطبقة (البراهمان – Brahman) على رأس هرم الطبقات الإجتماعية في الحضارات الهندية القديمة، و التي تمثل رجال الدين و حماة القانون و النظام بين البشر، مما يجعل ميثرا جزءا أساسيا من مفهوم (الدهارما – Dharma) التي تمثل النظام الأساسي الذي يجب أن يسير عليه نظام الكون لكي لا يختل، على عكس الإله فارونا الذي تصوره الأساطير الهندوسية كإله عنيف جدا يجب أن يتفادى البشر إثارة غضبه، و هو ما يجعله الإله المفضل لدى طبقة المحاربين (كشاتريا – Kshatriya).
منحوتة للإله الهندوسي فارونا، تعود للقرن الثامن الميلادي، و توجد حاليا بمتحف مدينة مومباي الهندية.
منحوتة للإله الهندوسي فارونا، تعود للقرن الثامن الميلادي، و توجد حاليا بمتحف مدينة مومباي الهندية.
 يشكل ميثرا و فارونا مفهوما من التوازن بين قدرة فارونا المطلقة و العنيفة، و سعي ميثرا لنشر مفاهيم الصداقة و الحب و الخير بين البشر، و يميل بعض الباحثين الغربيين في الأساطير القديمة إلى مقارنة العلاقة بين الإثنين بالعلاقة التي تربط بين الإلهين المصريين (سيث – Seth) و (حورس – Horus), بحيث يمثل سيث الإرادة القوية بينما يمثل حورس مفاهيم الحب المطلق و العلاقات الطيبة بين البشر.
و يبدو أن مكانة ميثرا في البانثيون الهندوسي قد تضاءلت بشكل كبير من القدم، بحيث تحول لرمز لمفهوم الصديق المحب ( إسم ميثرا قي اللغة السنسكريتية القديمة معناه “الصديق”)، ليتم فيما بعد تعوضه بالإله (فيشنو – Vishnu) الذي ورث معظم مميزاته و رموزه.
منحوتة تصور تتويج الملك الساساني (أردشير الثاني)، و يظهر الملك واقفا في الوسط يتسلم التاج من الإله أهورامزدا، بينما يقف خلفه ميثرا، و يبدو مميزا بهالة محيطة برأسه تمثل نزر الشمس التي يرمز إليها.
منحوتة تصور تتويج الملك الساساني (أردشير الثاني)، و يظهر الملك واقفا في الوسط يتسلم التاج من الإله أهورامزدا، بينما يقف خلفه ميثرا، و يبدو مميزا بهالة محيطة برأسه تمثل نزر الشمس التي يرمز إليها.
 على مستوى آخر، لا يوجد تاريخ محدد لأفول نجم ميثرا من في الديانة الهندوسية و تحوله لبلاد فارس، لكن الشيء المؤكد هو أن الديانة الزرادشتية قد تبنته كجزء من مفاهيمها داخل الثنائية التي بنيت عليها بين أهورامزدا إله النور و الخير و توأمه المقابل أهريمان رمز الظلام الشر، و قد تم إدماج ميثرا وسط هذه الواجهة الأزلية بين الخير و الشر، كمساعد لأهورامزدا الذي يسهر على ثبات النظام الكوني، و بذلك تحول إله النور و الشمس إلى كائن ملائكي ينتمي لما يسمى ب (اليازاتا) و هي كائنات ترافق الإله أهورامزدا و تعينه على محاربة الفوضى و الشر الذي يسعى أهريمان لنشره في الكون، و بذلك إستمرت رمزية ميثرا الرئيسية مرتبطة بنفس المفاهيم التي اكتسبها في البانثيون الهندوسي و هي مفاهيم خيرة تمثل النور و الحق و العدل و النزاهة، و محاربة الكذب و الخطيئة و الخيانة بين البشر، لكنه بذلك قد فقد مكانته كإله قائم بذاته و تحول إلى شخصية ثانوية في الديانة الزرادشتية، إلى أن اختفت عبادته تماما لصالح أهورامزدا و لم تعد هناك طقوس مرتبطة به، بحيث بقي منه أثر جد بسيط، و هو عبارة عن قرص مضيء من الذهب كان أكاسرة و ملوك فارس يلبسونه في تيجانهم كرمز لإله الشمس و النور ميثرا.
و تذكر النصوص الزرادشتية في كتاب (الأفيستا) المقدس، أن ميثرا قد خلقه الإله أهورامزدا من وسط صخرة ضخمة في ولادة إعجازية، و هو المشهد الذي تؤكده أغلب المنحوتات الموجودة حاليا في المتاحف، و التي تصور ميثرا خارجا من الصخرة و هو يحمل في يده اليمنى مصباحا يرمز إلى النور، و في اليد اليسرى سيفا أو خنجرا يرمز لمحاربته لقوى الظلام و الشر. و لعل إحدى أهم الأساطير المرتبطة بهذا الإله، هي قتله للثور الكوني، بحيث يظهر في عدة رسوم و منحوتات تعود للفترة الرومانية و هو يصارع و يقتل ثورا ضخما، تحولت دماءه لمصدر للحياة على الأرض.
مهذي بوعبيد
05/01/2018

هل الإنجيل كتاب وحي منزل من السماء .. ؟؟

لا يوجد هناك شيء إسمه الكتاب المقدس أو الإنجيل المنزل من السماء على عيسى المسيح، تماما مثل المسيح نفسه كشخصية لا يوجد دليل تاريخي واحد يؤكد وجودها فعليا.
شخصيات أسطورية سبقت قصة المسيح و تشترك معه في عدة تفاصيل.
شخصيات أسطورية سبقت قصة المسيح و تشترك معه في عدة تفاصيل.

الأناجيل ليست كتبا مقدسة نزلت بها الملائكة على عيسى المسيح ثم حرفت فيما بعد كما يخيل للمسلمين اليوم؛ بل هي في مجملها قصة حياة عيسى و كلامه و عظاته و خطبه و أسفاره كما كتبها رفاقه و حوارييه و رهبان كثر من بعدهم و فيها تفاصيل عديدة متناقضة و غير مترابطة أو متشابهة بين إنجيل و آخر، و إلى جانب الأناجيل الأربعة الرسمية التي إعترف بها مجمع نيقية المسكوني عام 325 للميلاد، هناك عشرات الأناجيل الأبوكريفية الأخرى التي تم منعها و إحراقها و تحريم تداولها بين الناس و ذلك بأمر من الإمبراطور الروماني قسطنطين بعد أن أكد قرار المجمع المسكوني.

من مخطوطات وادي قمران وتشمل سفر أشعياء 17/57 إلى 9/59.
من مخطوطات وادي قمران وتشمل سفر أشعياء 17/57 إلى 9/59.

الأناجيل الأربعة الرسمية المضمونة في الكتاب المقدس اليوم و المعترف بها من الكنيسة الكاثوليكية هي :

إنجيل متى، إنجيل مرقس، إنجيل لوقا، إنجيل يوحنا.

الأناجيل الأخرى أو المسماة بالمنتحلة أي الغير المعترف بها في الكتاب المقدس هي :

إنجيل توما، إنجيل الحق، إنجيل فيلبس، إنجيل مريم المجدلية، إنجيل يهوذا، إنجيل الطفولة العربي، إنجيل مني، إنجيل مرسيون، إنجيل السبعين، إنجيل الإثنى عشر، إنجيل العوالم الأربعة السماوية، إنجيل الحسن، إنجيل حواء، إنجيل الناصريين، إنجيل رادوسلاف، إنجيل برنابا، إنجيل برثولوماوس، إنجيل برلين المجهول، أناجيل البهناسة، إنجيل إقرتون، إنجيل الأبيونيين، إنجيل العبرانيين، إنجيل المصريين القبطي، إنجيل المصريين اليوناني، إنجيل مرقس السري، إنجيل يعقوب، إنجيل متياس، إنجيل بطرس، إنجيل برلين المجهول، الإنجيل الرباعي.

و بعض هذه الأناجيل كتب في القرن التاسع و العاشر الميلادي، أي أكثر من 1000 سنة بعد تاريخ وفاة المسيح المفترض، و عدد منها تم اكتشافه بعد العثور على مخطوطات البحر الميت (مخطوطات قمران)و مخطوطات نجع حمادي في النصف الأول من القرن العشرين. و منها ما هو مكتوب بالعبرية و القبطية و الآرامية واليونانية القديمة، و كلها تجمع تفاصيل متناقضة و مختلفة فيما بينها حول نفس الشخصيات و الأحداث، بل هناك نسخ مختلفة و متناقضة من نفس الكتاب.

إنجيل توما إكتشف بشكل شبه كامل في مخطوطة بردي مع مخطوطات نجع حمادي عام 1945
إنجيل توما إكتشف بشكل شبه كامل في مخطوطة بردي مع مخطوطات نجع حمادي عام 1945

النقطة الأهم الآن هي أنك عندما تحاول إقناعي بأن الإنجيل قد تنبأ بمجيء النبي محمد ورسالته النهائية كخاتمة لرسائل النبوة الإلهية و ذلك عبر ذكر إسمه، فأنت تهذي بهراء غير منطقي و لا أساس له من الصحة، فلا يوجد هناك إنجيل واحد محدد بل أناجيل عديدة و هي كلها كنب غير منزلة من السماء بل كتبها أشخاص محددين من بينهم رهبان وكهنة ينتمون لمختلف المذاهب النصرانية والمسيحية التي عرفها التاريخ، و مرة أخرى لولا رغبة الإمبراطور في اتخاذ دين جديد يوحد به سلطة إمبراطوريته الضخمة لما وجدت هناك ديانة مسيحية و لا أناجيل، بل لكانت اليوم مجرد كتب تاريخية تتم دراستها مثل الملاحم السومرية والبابلية و الهندية (جلجامش و إينوما إيليش، و المهابهاراتا و البهاجافادجيتا) أو مثل كتب الموتى المصري القديم الذي وجدت بردياته و تمت دراستها و ترجمتها.

صورة لأحد صفحات مخطوطات نجع حمادي
صورة لأحد صفحات مخطوطات نجع حمادي

أروع شيء في دراسة التاريخ هو أنه علم مجرد وموضوعي لدرجة القسوة المطلقة، و في ما يتعلق بالأديان بالخصوص فهو لا يعترف بالقداسة لأي شيء، بل يخضع للمنطق و الأدلة الموثوقة فقط لا غير.

مهدي بوعبيد

17/12/2017

زوجة أم أخت أبو الأنبياء … ؟؟!!!

يحكي النص التوراتي في سفر التكوين قصة النبي إبراهيم أو أبو الأنبياء كما يسمى في الديانات الإبراهيمية الثلاث بإستفاضة طويلة و مفصلة حد الإسفاف و التكرار الثقيل، لكن أكثر ما يشد القارئ اليقظ في قصة إبراهيم أو أبراهام، هو وصوله مهاجرا إلى مصر مع زوجته سارة هربا من الجفاف و القحط و الجوع في أرض الشام، لدى وصوله لأرض مصر عند “الفرعون”، خاف أن يتسبب جمال زوجته سارة في قتله و سلبه إياها، ففضل الكذب و إدعى أنها أخته، مما جعل فرعون مصر يأخذها و يضمها لحريمه، و عندما غضب الله على فرعون مصر فطن هذا الأخير للأمر و علم أن سارة زوجة إبراهيم، فأعادها له مؤنبا إياه على كذبه و إدعاءه، و كافأه بمنحه قطعان ماشية و بقر و غنم و إبل، و العديد من الخدم و العبيد و الإماء و أمر رجاله بأن يرافقوه إلى حيث يريد الذهاب خارج مصر و هو ما ينافي المنطق تماما من طرف رجل يستهجن كذبة إبراهيم المخجلة، لكن المثير في الأمر هو أنه حتى هاته اللحظة لم يغضب الرب من كذب إبراهيم و تركه فرعون ليأخذ زوجته، بل غضب على فرعون و عاقبه لأنه أخذ إمرأة متزوجة، رغم أن زوجها هو نفسه من كذب و إدعى أنها أخته و ليست زوجته … !!!
رحلة إبراهيم كما صورها سفر التكوين في العهد القديم.
رحلة إبراهيم كما صورها سفر التكوين في العهد القديم.
هذا المشهد المذكور أعلاه مأخوذ من سفر التكوين و هو الذي يفصل قصة أبراهام (The Patriarch) قي رواية طويلة جدا، لكنك عندما تقرأ بموضوعية و تجرد تصل لخلاصة واحدة، و هي أن هذه التصرفات لا تليق لا بالأنبياء و لا بالرسل و لا بأبيهم الأول، و لا بالله و لا بالأديان الإبراهيمية الثلاث، و لا حتى بالقيم الإنسانية الفطرية او الغريزية … !!!
رسم يصور إبراهيم أبو الأنبياء ورد في إنجيل SOUVIGNY و هي مخطوطة قديمة تعود للقرن الثاني عشر الميلادي، كتب عليها العهد القديم و الجديد، و المخطوطة لا زالت محفوظة في مكتبة مدينة Moulins بفرنسا.
رسم يصور إبراهيم أبو الأنبياء ورد في إنجيل SOUVIGNY و هي مخطوطة قديمة تعود للقرن الثاني عشر الميلادي، كتب عليها العهد القديم و الجديد، و المخطوطة لا زالت محفوظة في مكتبة مدينة Moulins بفرنسا.
لا أستطيع تخيل كمية الغباء و التنطع التي دفعت كهنة اليهود لإدراج مثل هاته الأساطير في كتبهم خلال السبي البابلي، فليس هناك شخص عاقل في هذا العالم يقبل بهذا الكذب المشين و المخزي و في حق زوجته، حتى لو نزلت رسالة إلهية على أم رأسه و فلقته نصفين و هي تأمره بذلك … !!!
مهدي بوعبيد
14/12/2017

حور العين أصل الأسطورة

حور العين أصل الأسطورة :

ما زالت هناك عدة أساطير تملأ القرآن والمفاهيم الإسلامية والفقهية منها بالخصوص، و كلها تلتقي عند نفس المصادر، حيث تم اقتباسها من نفس التراث الإنساني بمروياته و ملاحمه القديمة … !!!

الإسراء و المعراج، و حادثة شق الصدر و عذاب القبر و ناكر و منكر و الثعبان الأقرع، و الحج و مناسكه و الطوفان و قصة الخلق الأولي و الخطيئة الأولى و جنة عدن و الطرد منها و النزول إلى الأرض و الولادة من عذراء ثم قصة المكافأة الإلهية بالنساء الحور العين في الحياة الآخرة.

"حلم مؤمن" لوحة للرسام الفرنسي Achille Zo, تصور مشهدا للجنة كما جاء وصفها في القرآن, اللوحة موجودة حاليا بمتحف مدينة Bayonne بفرنسا.
“حلم مؤمن” لوحة للرسام الفرنسي Achille Zo, تصور مشهدا للجنة كما جاء وصفها في القرآن, اللوحة موجودة حاليا بمتحف مدينة Bayonne بفرنسا.

و على عكس ما يعتقده المسلمون اليوم، فالقرآن ليس أول كتاب ديني مقدس يتحدث عن ما يسمى بالحور العين في جنات عدن مكافأة للمؤمنين المخلصين الذين ضحوا بحياتهم في سبيل الدين أو الآلهة، فقد ورد ذكرهم على سبيل المثال في الديانات الوثنية القديمة التي استوطنت شمال أوروبا (ألمانيا، النرويج، الدانمارك … ) و التي انتشرت بين قبائل الفيكينغ (Viking) و كن يسمين ب (الفالكيري Valkyrie) و هن فتيات فاتنات عذراوات يرسلهن الإله Odin لساحات المعارك لكي يحملن إليه أرواح المقاتلين الشجعان الأشداء الذين قتلوا في ساحة المعركة، ﻷخذهم إلى جنة فالهالا الأبدية (Valhalla) التي أعدها الإله لهم في العالم الآخر.

مشهد تخيلي للفالكيري Valkyrie و هي تأخذ روح محارب من VIKING ساحة المعركة.
مشهد تخيلي للفالكيري Valkyrie و هي تأخذ روح محارب من VIKING ساحة المعركة.

كما تتحدث الديانة الزرادشتية عن أرواح الغادات الغانيات المضيئات في السماء، و هن بنفس الوصف نسوة جميلات يعتبرن مكافأة أبطال الحروب الذين يدخلون الجنة الأبدية الوجود مع الحور والولدان، كما يرد ذكرهن في الديانات الهندوسية القديمة بنفس الصورة في نصوص الفيدا و المهابهاراتا.

وكلمة حوري في لغة أوستا (وهي من لغات الفرس القديمة).تعني الشمس وضوءها الباهر، وفي اللغة البهلوية القديمة تسمى(هور) وفي لغة الفرس الحديثة (حنور) وقد لفظها العرب (حور) (كتاب شرائع منوا فصل 5 البيت 89). فجرياً على هذه العقيدة الفارسية القديمة والتعبير الفارسي قال القرآن: حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الخِيَامِ (سورة الرحمن 55: 72). وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ المَكْنُون (سورة الواقعة 56: 22 و23).

10422064_1628289720731862_1857077078476002019_n

و كما ترون فهاته المفاهيم العديدة التي تملأ الإسلام ليست إلا استمرارية طبيعية للموروث الإنساني القديم الذي تشاركت فيه التجمعات البشرية الأولى كملاحم أسطورية و مرويات تناقلها الناس من جيل إلى جيل، و كل منها أضاف إليها وزاد فيها و نقص منها ما يناسبه، لكن تبقى التيمة الرئيسية للأحداث ثابتة بدون تغيير، لتتحول فيما بعد لتراث إنساني مشترك، إستخدمته الأديان عندما اقتبست منه قصصا لترويها بدورها في كتبها المقدسة، لكن إستيعاب هذه الرؤية المادية البحتة يتطلب شجاعة كبيرة لوضع كل أشكال التقديس الغيبي جانبا و الإلتزام بالمنهج المادي التاريخي الذي يأخذ بالأدلة المادية الموثقة بعبدا عن محاولات التأويل العشوائي، و هي في حد ذاتها مهمة شبه مستحيلة في العالم الإسلامي اليوم، ﻷن الكهنوت الديني يتسلط على العقول و يمنعها بكل الوسائل من الخوض في مجمل هذا الجانب المعرفي، ﻷنه يعلم تمام العلم أنه متى بدأ المؤمنون يطرحون هاته الأسئلة الحساسة، فسوف يهدم بنيان المقدس الغيبي مثل قصر من الرمال، و بالتالي سوف يفقد الكهنوت أي سلطة روحية على عقول البشر، تماماً كما حدث و يحدث مع المسيحية الآن، التي باتت تتنازل كل يوم شيئاً فشيئاً، و تتراجع عن مجال نفوذها مستسلمة لسلطة العقل.

لكن تلك قصة أخرى … !!!

مهدي بوعبيد

 

 

البراق، دابة مجنحة يركبها الأنبياء أم آلهة هندوسية ؟؟!!!

البحث في الأساطير التي تمتلئ بها الكتب المقدسة لا ينتهي عند حد و لا يتوقف عند أسطورة دون غيرها، بل يتفرع إلى إلى أبحاث عدة تتداخل فيما بينها و تلتقي عند مواضيع و أحداث كثيرة، لا تلبث أن تؤكد للباحث المدقق أن كتب الأديان الإبراهيمية و أحاديث أنبياءها ليست إلا سلسلة طويلة من الإقتباس الأدبي و التناص العمدي بين الأساطير و المرويات التي كانت تشكل عماد التراث الأسطوري و السردي للمجتمعات البشرية من الأزل.
جاء في وصف دابة البراق في حديث ﻹبن عباس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( ….أما أنا يوم القيامه- فعلى البراق، وجهها كوجه الإنسان، وخدها كخد الفرس، وعرفها من لؤلؤ ممشوط، وأذناها زبرجديتان خضراوان، وعيناها مثل كوكب الزهرة توقدان مثل النجمين المضيئين لهما شعاع مثل شعاع الشمس، بلقاء محجلة تضيء مرة وتطفئ مرة أخرى، ينحدر من نحرها مثل الجمان، مضطربة في الخلق، أذناها مثل البقرة، طولية اليدين والرجلين، وأظلافها كأظلاف البقر من زبرجد أخضر، تجد في مسيرها الريح، وهي مثل السحابة، لها نفس كنفس الآدميين، تسمع الكلام وتفهمه، وهي فوق الحمار ودون البغل ) الحديث من كتاب روضة الواعظين للشيخ العلامة محمد بن الفتال النيسابوري.
و كما نرى في الحديث فالأمر يتعلق بدابة لها وجه إنسان و جسد حيوان يشترك في صفات عدة حيوانات، هي خليط بين الفرس و البقر و هي فوق الحمار و دون البغل.
منمنمة تركية قديمة تصور رحلة الإسراء على ظهر البراق
منمنمة تركية قديمة تصور رحلة الإسراء على ظهر البراق

 

لنضع هذا الوصف جانباً لنرى كيف يتم وصف الآلهة الهندوسية (Kamadhenu)، هي بقرة إلهية نزلت من السماء كأم لكل البقر و هي معجزة تعرفها الديانة الهندوسية ب (بقرة الوفرة – Cow of Plenty), و تلبي لمن يمتلكها كل رغباته و متمنياته، و هاته الآلهة هي أصل تقديس البقر لدى أتباع الهندوسية، و يتم تصويرها كبقرة ذات جسد أبيض و وجه إنسان و أجنحة، و قد ذكرت هاته التفاصيل في كتب الفيدا الهندوسية قبل 5000 آلاف سنة.
تمثال لبقرة الوفرة Kamadhenu في معبد هندوسي
تمثال لبقرة الوفرة Kamadhenu في معبد هندوسي
و السؤال الأزلي يفرض نفسه من جديد، من إقتبس من الآخر … ؟؟!!!
مهدي بوعبيد
07/11/2017

الديانات الإبراهيمية … سلسلة تاريخية من النسخ و اللصق‎

الإسلام ليس إلا يهودية معربة، قد يبدو هذا القول غريبا بالنسبة للبعض و مرعبا بالنسبة للكثيرين، لكنها الحقيقة التي ينضح بها التاريخ، ذلك التاريخ الذي لا نقرأه و حتى إن حدث و تصفحنا شيئا منه، نعتبره مجرد أكاذيب و ضلالات تدخل في إطار مؤامرة كونية على الإسلام …

الإسلام ليس إلا يهودية معربة، قد يبدو هذا القول غريبا بالنسبة للبعض و مرعبا بالنسبة للكثيرين، لكنها الحقيقة التي ينضح بها التاريخ، ذلك التاريخ الذي لا نقرأه و حتى إن حدث و تصفحنا شيئا منه، نعتبره مجرد أكاذيب و ضلالات تدخل في إطار مؤامرة كونية على الإسلام.

اللوحات الطينية السبع التي إكتشفت في شمال غرب العراق قرب الموصل في بداية القرن العشرين و هي تروي قصة الخلق الأولي كما روتها ملحمة إينوما إليش.
اللوحات الطينية السبع التي إكتشفت في شمال غرب العراق قرب الموصل في بداية القرن العشرين و هي تروي قصة الخلق الأولي كما روتها ملحمة إينوما إليش.

القول بأن الله قد أنزل اليهودية كديانة سماوية إلهية مخالف تماما للحقيقة، فاليهودية هي ديانة خاصة بأحفاد إبراهيم من قبائل اليهود، أولئك الذين وعدهم الله بأرض كنعان (أرض فلسطين)، و هي ديانة خاصة بهؤلاء القوم و أحفادهم، و لهذا لن تجد مفهوم التبشير في اليهودية حتى اليوم، أما التوراة و التلمود فهي ليست كتبا منزلة من الله، بل كتبها أحبار اليهود إبان السبي البابلي على يد الملك العظيم نبوخذ نصر الذي حاصر و دمر أورشليم و هدم المعبد الأول بين عامي 589 و 587 قبل الميلاد، و في هذا السبي أخذ نخبة القبايل اليهودية كعبيد معه لبابل، و هناك كتبت التوراة و جاءت مشبعة حد التخمة بروايات و أساطير و تفاصيل المرويات التي كان يتناقلها كهنة و رهبان عشتار و مردوك و بعل و إنانا و هي كلها آلهة بلاد الرافدين التي توارثت عبادتها و تقديسها عدة حضارات مرت من تلك الأرض، و بقيت أساطيرها منتشرة بين شعوب المنطقة منذ عهد السومريين، هاته الأساطير في مجملها هي قصة الطوفان و الخلق الأولي و هي مأخوذة من ملحمة جلجامش و ملحمة إينوما إليش كلمة بكلمة و سطرا بسطر.

مشهد تخيلي للسبي البابلي لليهود على يد الملك العظيم نبوخذ نصر
مشهد تخيلي للسبي البابلي لليهود على يد الملك العظيم نبوخذ نصر

بالنسبة للمسيحية فهي تاريخيا لم تكن ديانة، بل مجرد مذهب هرطوقي منشق عن الديانة اليهودية و لم تعترف به إلا قلة ضئيلة من الأتباع. هذا المذهب نفسه إنشقت عنه عدة مذاهب و توجهات أخرى، و لم تنتشر هاته المذاهب خارج بعض مناطق الشرق الأوسط الموزعة بين شمال سوريا و جزء من باديتها عند مدخل الصحراء و شمال الجزيرة العربية، و لم تكن تعرف حينها لا بالمسيحية و لا بالنصرانية، ففي الجزيرة العربية مثلا سميت بالنسطورية نسبة للراهب نسطور و في مصر عرفت بالآريوسية نسبة لآريوس و طيلة أكثر 3 قرون بعد تاريخ موت المسيح المفترض ظلت المسيحية ديانة شبه منسية في العالم و لا يؤمن بها إلا جماعات قليلة يتعرض أغلبها للإضطهاد و القتل و التنكيل من الرومان و الفرس و من القبائل الوثنية، و كانت الديانة الميثرائية و هي ديانة هندو-إيرانية قديمة تنتشر أكثر من مذاهب المسيحية و ذلك على إمتداد العالم المعروف آنذاك، حيث وجدت معابد عديدة للإله ميثراس بدءا من شرق إيران و وصولا لشمال إسبانيا، فرنسا، ألمانيا وصولا لإسكتلندا, و إستمرت الميثرائية كأكثر الديانات إنتشارا في العالم بين القرن الأول و الرابع الميلادي، و لولا أن الإمبراطور الروماني قسطنطين قد إختار المسيحية كديانة رسمية للإمبراطورية الرومانية و قام حينها بعقد مجمع نيقية في العام 325 ميلادية لكي يضع الأسس الرسمية لهذه الديانة الجديدة لما عرف العالم شيئا عن المسيحية بكافة مذاهبها، و لظلت طي النسيان حتى اليوم. و قد دعى قسطنطين لهذا المجمع رهبان و قسيسين و كهنة يمثلون مختلف مذاهب المسيحية الموجودة في المناطق التي تقع تحت حكم الإمبراطورية الرومانية، و قد إجتمعوا طيلة أكثر من شهرين و هم يناقشون مختلف تفاصيل الديانة الرسمية الجديدة التي سوف يعلنها قسطنطين الأول، بما في ذلك حقيقة المسيح و مريم و الولادة العذراء و الحديث في المهد و نبوته و صلبه و قيامه من الموت و صعوده للسماء و بعثه من جديد، و اللاهوت و الناسوت و الثالوث المقدس، و بما ان روما كانت لا تزال وثنية حينها و يمتد حكمها بين القارات الثلاث، فقد جاءت شخصية عيسى المسيح خليطا من عدة شخصيات نجدها في عدة ديانات في شكل أساطير تعود لآلاف السنين قبل مجيء المسيح المفترض مثل ميثراس، حورس، كريشنا، أدونيس، و كلها تمثل آلهة و ديانات كانت لا زالت موجودة و منتشرة بين الشعوب التي تحكمها روما آنذاك، …، كما قام المجمع بإختيار الأناجيل الرسمية الأربعة و أمر الكهنة و الرهبان بمنع و إحراق باقي الأناجيل المنتشرة بين الناس. و عند نهاية المجمع المسكوني أعلنت المسيحية ديانة رسمية للإمبراطورية الرومانية (رغم أن قسطنطين قد بقي وثنيا حتى موته و لم يؤمن بها)، و هي في جزء كبير منها نفس المسيحية الكاثوليكية التي نعرفها الآن.

مشهد تخيلي للمجمع المسكوني الذي عقد في نيقية في العام 325 بعد الميلاد, بحضور الإمبراطور قسطنطين.
مشهد تخيلي للمجمع المسكوني الذي عقد في نيقية في العام 325 بعد الميلاد, بحضور الإمبراطور قسطنطين.

مما يعني منطقيا أنه لولا أن إمبراطورا وثنيا كان يبحث عن توجه جديد يوحد به الإرادة السياسية و العسكرية لإمبراطوريته لما كان أحد قد سمع بها اليوم و لبقيت ديانة غابرة منسية في الزمن مثل آلاف المعتقدات التي عرفها البشر و طوتها صفحات التاريخ.

في مسألة الأناجيل يجب أن نحدد نقطة مهمة، فهي ليست كتبا مقدسة نزلت بها الملائكة على عيسى المسيح ثم حرفت فيما بعد كما يخيل للمسلمين اليوم؛ بل هي في مجملها قصة حياة عيسى و كلامه و أسفاره كما كتبها رفاقه و حواريوه و رهبان كثر من بعدهم و فيها تفاصيل عديدة متناقضة و غير مترابطة أو متشابهة بين إنجيل و آخر، و إلى جانب الأناجيل الأربعة الرسمية هناك عشرات الأناجيل الأبوكريفية الأخرى (راجع إكتشافات مخطوطات البحر الميت و مخطوطات نجع حمادي).

مخطوطات البحر الميت
مخطوطات البحر الميت

في مسألة الشعائر و الأدعية و الصلوات و القصص و الروايات و التفسيرات الدينية للخلق الأولي، نجد أن المسيحية تأخذ نفس التفاصيل عن اليهودية التي أخذت بدورها عن البابليين و السومريين و الأكاديين و الإسلام جاء في القرن السادس الميلادي و أخذ عن كل هؤلاء، و خاصة عن اليهودية فيما يخص التشريعات و الأحكام المتشددة.

الإله ميثراس و هو يقتل الثور، منحوتة وجدت في منطقة Heidelberg جنوب غرب ألمانيا.
الإله ميثراس و هو يقتل الثور، منحوتة وجدت في منطقة Heidelberg جنوب غرب ألمانيا.

الحقيقة المرعبة في كل هذا هو أن علماء التاريخ و الأركيولوجيا و بعد أبحاث و حفريات إستمرت منذ نهاية القرن التاسع عشر و حتى اليوم، لم يجدوا نقشا واحدا أو بناء أو قطعة عملة أو فسيفساء أو تمثال، او بوابة أو عمود واحد يتحدث نبي واحد من أنبياء اليهودية او المسيحية كما جاء ذكرها في التوراة و الإنجيل، و هم يجمعون اليوم رسميا على كون قصص إبراهيم و إسحق و إسماعيل و يعقوب و موسى و غيرهم، هي مجرد أساطير تم تجميعها من مرويات اقدم توارثتها شعوب و قبائل الشرق الأوسط و آسيا الوسطى و الصغرى، و هذا ما تؤكده دراسة الأناجيل الأربعة و الأناجيل الأبوكريفية و التوراة و التلمود و المدراش اليهودي، كما يؤكده القرآن الذي أخذ نفس القصص و الروايات و أعادها بنفس الشكل و بمجمل ما إحتوت عليه من أخطاء تم تكذيبها اليوم بشكل فعلي.

الإله الهندوسي كريشنا، الذي تتشابه أسطورته مع قصة المسيح عيسى في عدة جوانب، مثل الولادة العذراء و الحديث في المهد و الحواريين الإثنا عشر، و علاج المرضى و المشي على الماء.
الإله الهندوسي كريشنا، الذي تتشابه أسطورته مع قصة المسيح عيسى في عدة جوانب، مثل الولادة العذراء و الحديث في المهد و الحواريين الإثنا عشر، و علاج المرضى و المشي على الماء.

إذن دعونا نتساءل و بعيدا الغيبيات المقدسة، لو لم يختر الإمبراطور قسطنطين الأول المسيحية كديانة رسمية لدولته و لو لم يقم قبل ذلك الملك البابلي العظيم نبوخذ نصر بسبي اليهود و أخذهم عبيدا لبلاده، من أين كان سيجد الإسلام منابعه التي كتب بها القرآن و وضعت بها الأحكام و التشريعات الدينية … ؟؟!!!

الشيء المؤكد هو أن الأديان أيا كان شكلها أو منبعها، سواء كانت وثنية او إبراهيمية فهي تبقى في الأصل مجرد تشكيلة من الغيبيات التي لا تستند لمنطق عقلي ثابت، فهي تعبير عن ذلك الجانب الميتافيزيقي الذي عاش الإنسان تحت سلطته لمئات الآلاف من السنين، و خلال الفترة التي يمكن تسميتها بطفولة البشرية، لم يسعفه وعيه المحدود في فهم العالم و الظواهر الطبيعية التي يواجهها و بالتالي لجأ إلى التفسيرات الغيبية كوسيلة وحيدة لتعويض هذا العجز عن الفهم. و عندما تخضع هاته المفاهيم الغيبية للعقل و المنطق و تدرس سيرورتها التاريخية بموضوعية و تجرد فمن الطبيعي تماما أن تجد نفسك أمام مشهد يختلف تماما عن ذلك البناء الميتافيزيقي المغلف بطبقات سميكة من القداسة و الخوف من المجهول.

مهدي بوعبيد
18/06/2016

 

الأديان محاولة بدائية لفهم الطبيعة

تشكل الأساطير الدينية ذلك الأساس القوي و الخصب الذي تعتمد عليه الأديان لفرض سلطتها على عقول البشر، و عبر التاريخ لم يظهر أو يتطور دين واحد سواء كان وثنيا أو إبراهيميا (سماويا كما يسمونه) دون الإعتماد على كم هائل من الأساطير و المرويات و الحكايات الموروثة بين الشعوب كأساس لأحقيته بالسيطرة على المجال الروحي لمن يؤمنون به، و من صميم هذا المفهوم ظهرت تلك الفكرة التي تسمى بالمعجزة، و هي ليست إلا محاولة عبثية لإضفاء شيء من الحقيقة و الواقعية على ما أدعوه بالخيال السحري ذلك المجال الذي كان يتحرك داخله الطبيب الساحر أو ما يسمى ب Shaman, و هو ذلك الشخص الذي يتكلف داخل القبيلة بالعلاقة المتواصلة بين البشر و أرواح الطبيعة أو أرواح الأجداد أو الآلهة أو كل ما يمثلها في المخيال الشعبي للقبيلة التي ينتمي إليها،  هذا الشخص يتميز بمكانة خاصة داخل المجتمع، لكونه يمثل الحكمة الأزلية التي خصته بها الأرواح أو الآلهة التي يتكلف بالتواصل معها، و هي التي تمنحه القدرة على شفاء الأمراض و علاجها و التنبؤ بالمستقبل و ذلك تبعا لمجموعة من الطقوس التي يقوم بممارستها أو يلزم أفراد قبيلته بالقيام بها في مواقيت معينة.

رسم تخيلي للطبيب الساحر أو SHAMAN
رسم تخيلي للطبيب الساحر أو SHAMAN

علاقة هذا الطبيب الساحر الإستثنائية بمجال تحرك الآلهة هي التي تمنحه القدرة للولوج إلى خواصها و أسرارها المخفية عن عامة الناس، بينما يكتفي هؤلاء بإنتاج كمية متواصلة من الأساطير و القصص حول قدراتها و قواها الخفية و المطلقة و التي تنطلق دوما من المحيط المباشر الذي يتواجد داخله التجمع البشري، و بالذات من محاولات فهم و تفسير مختلف الظواهر الطبيعية التي تؤثر على البشر بشكل متواصل و يومي، و هو ما يجعل الأسطورة في بداياتها الأولى مجرد محاولات بدائية للبشر لتفسير الطبيعة و ظواهرها العصية على العقل البشري بقدراته المحدودة آنذاك.

طبيب ساحر أو SHAMAN من إحدى قبائل الأمازون
طبيب ساحر أو SHAMAN من إحدى قبائل الأمازون

و لنا أن نتخيل شكل الإنسان البدائي و هو يحاول تلمس طريقه لفهم الظواهر الطبيعية التي تؤثر على حياته بشكل يومي و متواصل، فهو يلاحظ مثلا أن الشمس الساطعة في كبد السماء، تشرق كل يوم مانحة إياه النور و الدفء و مبددة ظلام الليل و برودته مع يمثله من أخطار تتربص به كالحيوانات المتوحشة و الضواري؛ كما أنه يلاحظ تأثير الشمس و نورها القوي الذي يغمر الأرض بشكل دوري يختلف في قوته و حدته و يكرر نفسه عبر فترات معينة، فيرى المزروعات و الأشجار التي تنمو و تزهر و تعطي ثمارها و حبوبها الطيبة خلال فترات معينة ترتبط بإرتفاع الحرارة و إشراق الشمس لمدة طويلة خلال اليوم بينما تذبل و تموت في فترات أخرى تصبح فيها أشعة الشمس أقل و تتوارى عن الأنظار في وقت أقصر، و هو ما دفعه لإكتشاف دورات الفصول و تأثيرها على المناخ و ذلك حسب موقع الشمس في السماء، و بما أن عقله عاجز عن فهم تفاصيل القوانين الطبيعية التي تتحكم في حركة الشمس و مواقعها، فلم يبقى أمامه إلا تفسير واحد، و هو أن الشمس كائن مجرد يتحرك طبقا لإرادته، مما دفعه للتوجه إليه بالتقديس و التبجيل أولا، ثم العبادة عبر طقوس معينة لاحقا لكي يضمن رضاه التام عليه طيلة الوقت.

رسم تخيلي يوضح العلاقة بين حزام Orion النجمي و مواقع الأهرامات في هضبة الجيزة
رسم تخيلي يوضح العلاقة بين حزام Orion النجمي و مواقع الأهرامات في هضبة الجيزة

إلى جانب كل ما سبق، تطورت العبادة من التبجيل و التقديس لقرص الشمس، إلى طقوس و ممارسات تعبر عن الإيمان بالجرم السماوي كآلهة ذات سلطة مطلقة تسيطر بها على مصائر البشر، و تزامنت هذه الطقوس مع مواقع الشمس في السماء، و ما يسبق شروقها من نجوم دأب البشر على مراقبتها كل ليلة (مثل حزام أريون Orion’s Belt و نجم الشعرى اليمانية أو سيريوس Sirius), فعند قدماء المصريين مثلا إرتبط موعد فيضان النيل بشروق الشمس في إتجاه نجم سيريوس الذي يحدث في بداية الصيف أي وقت الإنقلاب الصيفي (Summer Solstice) ما بين 20 و 23 يونيو من كل عام, بينما ينعكس الأمر و يخفت تأثير الشمس وقت الإنقلاب الشتوي (Winter Solstice) بين 20 و 23 من ديسمبر من كل عام، و قد شكلت هذه التغييرات الدورية و المتكررة في تأثير الشمس على التجمعات البشرية البدائية مواقيت محددة لممارسة طقوس تعبدية تهدف إلى إرضاء الآلهة التي تتحكم في مصير البشر، و مع توالي الزمن نسج الإنسان مجموعات مفصلة من الأساطير و المرويات تدور كلها حول هاته الأحداث، التي لم يكن يملك لها تفسيرا منطقيا و عقليا واضحا، و نفس الأساطير و المرويات نجدها تتكرر عند معظم شعوب و حضارات منطقة الشرق الأوسط بالخصوص، حيث تشكلت أولى الحضارات التي عرفت الزراعة و نظمت حياتها طبقا لتوالي الفصول و التغييرات التي ترافقها في الطبيعة، فنجد أسطورة إله الشمس تتكرر مع آلهة و سخصيات مقدسة مختلفة مثل حورس و بعل و كريشنا و تموز و ميثراس و ديونيسوس و عيسى المسيح.

التشابه بين شخصيتي عيسى المسيح و الإله المصري حورس
التشابه بين شخصيتي عيسى المسيح و الإله المصري حورس

بهذا الشكل تبدو العلاقة الجدلية واضحة بين الأديان و الأساطير القديمة التي ينضح بها الموروث البشري، و تمتليء بها جدران المعابد و شواهد الأضرحة و القبور التي يكتشفها علماء الآثار كل يوم، و تملأ صفحات الكتب المقدسة و الأناشيد الدينية التي تتلى في المعابد و الكنائس و المساجد. إن الدين و مفهوم الإيمان بالآلهة و ما يرافق ذلك من طقوس و عادات تغير أسلوب الحياة و تفاصيلها بشكل جذري، ليس سوى سعي دؤوب نحو فهم أفضل و أدق للعالم و الطبيعة و الكون من حولنا و تبعا لتطور أو جمود و تكلس المجتمعات البشرية من حولنا، قد نجد هذا السعي يتقلص داخل مجال أصغر أمام سلطة العقل الذي باتت لديه قدراته أعمق و أكثر قدرة على فهم و إستيعاب الطبيعة و قوانينها،  و متى عجز العقل البشري عن فهم الميكانيزمات و القوانين التي تتحكم في محيطه المباشر، أصبح الطريق معبدا نحو التفسيرات الغيبية و الميتافيزيقية التي توفر شيئا من الراحة النفسية على الأقل.

مهدي بوعبيد
05/01/2016

يهوه إله العهد القديم … من التعدد إلى التفرد – الجزء الثاني

تابعنا في الجزء الأول من هذا البحث المسار المفصل لظهور الحاجة لدى قبائل يهوذا و السامرة لإيجاد آلهة متفردة تمثل القومية اليهودية الناشئة، وسط بحر من الحضارات القديمة التي تمثل قوميات و إمبراطوريات قوية و ممتدة و أكثر تنظيما و إستقرارا على المستوى السياسي و العسكري بالخصوص. و رأينا كيف أن القبائل التي استوطنت منطقة الشام و البادية السورية و أرض فلسطين قد خرجت من حالة التبعية و التأثر السلبي بالحضارات المحيطة بها، إلى إنتاج منظومتها الدينية الخاصة بها عبر إختيار إله مغمور من مجمع الآلهة الكنعانية القديمة، و وضعه في مقام الإله المتفرد عن باقي الآلهة التي لم يكن يرفض وجودها في بداياته، بحيث يأخذ مكانه وسط عشرات الآلهة التي تعبدها و تقدسها الحضارات المحيطة بهاته القبائل، و هذا التفرد جعل هذا الإله يقبل فكرة التعدد لكن مع التأكيد في نفس الوقت على اختصاصه بقبائل أرض يهوذا والسامرة، تماما مثل أي شيخ قبيلة مع أتباعه، في إحالة واضحة على فكرة الطوطم التي مثلت أولى تصورات التجمعات البشرية الباليوليثية لشكل الآلهة.

في هذا التصور الأولي للإله المتفرد بقومية ناشئة، كان “يهوه” يقبل تماما بوجود آلهة أخرى متعددة تمثل بقية الشعوب و الحضارات و دياناتها و معتقداتها المختلفة، قبل أن يتحول في المرحلة الأخيرة لإله مطلق و يدخل حالة التوحيد بإعلانه عن نفسه كإله لشعبه المختار.

yhwh

من هو “يهوه” :

إن دراسة أصل هذا الإله قد عرفت تجاذبات كثيرة بين الباحثين في تاريخ الأديان و علماء التاريخ، فخارج كتب التوراة هذا الإسم لا يوجد له أي أثر أركيولوجي مدون قبل العام 1200 قبل الميلاد، و من المفيد التذكير هنا بأن الحضارات السابقة كلها لم تعرف نزعة توحيدية في الأديان و المعتقدات التي كانت تؤمن بها (باستثناء ديانة الإله “آتون” التوحيدية التي نشرها الفرعون أخناتون في مصر القديمة حوالي العام 1336 قبل الميلاد)، و تذكر الألواح الطينية المكتشفة في مدينة أوغاريت السورية و التي تعود للعام 1200 قبل الميلاد الإله “يهوه” الذي يظهر إسمه مختصرا بالكتابة المسمارية بصيغة “Yw“، و إن كانت هذه المعلومة محط خلاف شديد بين علماء التاريخ، الذين يصرون على كون القصص و الملاحم التي ترويها هذه الألواح هي أقدم بكثير من التاريخ المذكور.

تمثال صغير من البرونز و الذهب للإله بعل تم اكتشافه في منطقة أوغاريت شمال سوريا، موجود حالبا بمتحف اللوفر بباريس.
تمثال صغير من البرونز و الذهب للإله بعل تم اكتشافه في منطقة أوغاريت شمال سوريا، موجود حالبا بمتحف اللوفر بباريس.

و يمكن تفصيل النصوص التي جاء فيها ذكر “يهوه” تاريخيا بالشكل التالي :

– نصوص الألواح الأوغاريتية من شمال سوريا، و قد ذكر فيها الإله “يهوه” كإبن للإله “إيل أو عليون” و هو كبير آلهة الكنعانيين، و النص يعود للألف الثاني قبل الميلاد.

– نقش على جدار في موقع خربة الكرم، و هو موقع أثري قديم غرب مدينة الخليل الفلسطينية، و يعود تاريخه للألف الخامسة قبل الميلاد، و يقول النقش بوضوح : ” لتحل عليك بركة الإله يهوه و عشيرته ” و قد تم تأريخ النص للفترة ما بين العام 750 و 700 قبل الميلاد. (فراس السواح، تاريخ أورشليم ص 204).

– تم العثور في موقع تل حليف (جنوب الخليل) على بقايا معبد قديم دمره الجيش الآشوري خلال غزوه لأرض كنعان عام 701 قبل الميلاد و وجد داخل المعبد تمثال للآلهة عشيرة، و المعبد كان مخصصا لعبادة الاله “يهوه”. (عصام السخيني، فلسطين و الفلسطينيون، صفحة 62)

– كما عثر في منطقة كونتيلة عجرود‎‎ شمال شرق شبه جزيرة سيناء على إسم الاله “يهوه” و إلى جانبه إسم زوجته “عشيرة” منقوشا على جرار من الفخار تعود للقرن السابع قبل الميلاد في نصوص قصيرة بمثابة دعاء يقول : “لتحل عليك بركة يهوه إله السامرة و عشيرته” و في نص آخر :” لتحل عليك بركة يهوه إله تيمان و عشيرته” (فراس السواح، تاريخ أورشليم ص 204).

رسم لقطعة من جرة فخار وجدت بمنطقة كونتيلة عجرود بسيناء يبين تصورا للإله يهوه و زوجته عشيرة، القطعة موجودة حاليا بمتحف الأركيولوجيا بجامعة تل أبيب.
رسم لقطعة من جرة فخار وجدت بمنطقة كونتيلة عجرود بسيناء يبين تصورا للإله يهوه و زوجته عشيرة، القطعة موجودة حاليا بمتحف الأركيولوجيا بجامعة تل أبيب.

هاته الآثار الموثقة تؤكد أن قبائل يهوذا و السامرة قد عبدت آلهة متعددة لم تكن نتاجا فكريا و دينيا خالصا و خاصا بها، بل أخذت من البانثيون الأوغاريتي و الفينيقي و حتى المصري القديم في فترة معينة، فقد عثر على عدة تماثيل و منحوتات سواء في منطقة الجليل الأعلى أو النقب تمثل آلهة مختلفة عبدها سكان هذه المناطق منذ ما قبل 2000 سنة قبل الميلاد، و من بين هذه الآلهة نذكر بعل الكنعاني و أدونيس الفينيقي (أو ما يسميه الأحبار أدوناي أو السيد و هو تعبير يقصدون به يهوه الذي يحرمون ذكر إسمه حتى عند قراءة التوراة، باستثناء واحد خلال طقوس اليوم كيبور Yom Kippour أو عيد الغفران).

Déesse Asherah, trouvée dans la région de Ras Shamra Ugarit en Syrie, datée à l'an 1300 AD, sculpمنحوتة من العاج تصور زوجة الإله يهوه عشيرة، تم إكتشافها بمنطقة رأس شمرا - أوغاريت شمال سوريا، تم تأريخها للعام 1300 قبل الميلاد و توجد حاليا بمتحف اللوفر بباريس.
منحوتة من العاج تصور زوجة الإله يهوه عشيرة، تم إكتشافها بمنطقة رأس شمرا – أوغاريت شمال سوريا، تم تأريخها للعام 1300 قبل الميلاد و توجد حاليا بمتحف اللوفر بباريس.

التشابه بين بعل و يهوه : 

و لعل التشابه الكبير بين صفات الإله بعل الكنعاني و يهوه هي ما يؤكد هذه العلاقة بين الإثنين، فمن صفاتهما المطلقة القدرة على التحكم في الغيوم و السحب و إستخدامها كمركبة، بحيث نجد نصا في أحد أناشيد مناجاة الإله بعل يقول :

إني أقول لك أيها الأمير بعل، إني أكرر يا فارس الغيوم: هوذا عدوك يا بعل. هوذا عدوك سوف تقتله؛ ها أعداؤك سوف تفنيهم؛ ولسوف تفوز بالمُلْك إلى الأبد، وتبسط سيادتك على الكل دوماً

بينما نجد الآية 3 من السفر 104 من سفر المزامير في الجزء الثالث من العهد القديم المسمى بالكيتوفيم Ketuvim تصف “يهوه” بما يلي  : “الْمُسَقِّفُ عَلاَلِيَهُ بِالْمِيَاهِ. الْجَاعِلُ السَّحَابَ مَرْكَبَتَهُ، الْمَاشِي عَلَى أَجْنِحَةِ الرِّيحِ“.

و في جانب آخر من التشابه بين بعل و يهوه، هناك الجلوس في مجمع الآلهة أو وسط الآلهة، فكما يجلس بعل في مجمع الآلهة العظيم بقيادة كبير الآلهة “إيل“، يجلس يهوه في مجمع الله وسط الآلهة، كما يصفه المزمور 82 من سفر المزامير قائلا : ” مزمور لآساف. الله قائم في مجمع الله. في وسط الآلهة يقضي، حتى متى تقضون جورا وترفعون وجوه الأشرار ؟ سلاه، اقضوا للذليل ولليتيم. أنصفوا المسكين والبائس نجوا المسكين والفقير. من يد الأشرار أنقذوا، لا يعلمون ولا يفهمون. في الظلمة يتمشون. تتزعزع كل أسس الأرض أنا قلت: إنكم آلهة وبنو العلي كلكم، لكن مثل الناس تموتون وكأحد الرؤساء تسقطون، قم يا الله دن الأرض، لأنك أنت تمتلك كل الأمم“.

 و كما يظهر من المزمور فهو لا يتحدث عن إله واحد يمسك بمصائر البشر و يحددها، بل يتحدث بصيغة الجمع عن آلهة متعددة تجلس في مجمع واحد، و يناجيها و يناشدها بأن تساعد الفقير والمسكين والبائس، و يؤكد هذا الجمع أو التعدد حين يقول “إنكم آلهة و بنو العلي كلكم“، و هذا في حد ذاته كناية عن مفهوم التعدد الواضح وسط نصوص العهد القديم نفسه، بما يؤكد كون الديانة اليهودية قد بدأت كجزء من المفاهيم الدينية المعاصرة لها تاريخيا، وهي في مجملها أديان وعقائد وثنية مبنية على تعدد الآلهة، و لم تكن تعرف معنى التوحيد قبل تفرد الإله يهوه كإله خاص بالقبائل اليهودية يرفض بقية الآلهة و يمنع أتباعه من عبادتها أو حتى الاعتراف بها.

ثم نرى بعد ذلك صفة أخرى يتشابه فيها الإله بعل بالإله يهوه، وهي شرب أو إدمان الخمر، بحيث تصف الألواح الأوغاريتية حب بعل للخمر قائلة :

يضع الكأس بيده ويرويه،
مغرفة بكلتا يديه،
دن من السماوات،
كأس مقدسة
ما رأت مثلها ساقية
وقعت عليها عين
ولا إلاهة.
ألف جرة خمر أخذ،
ومزجها مزجاً وسكب“.

بينما نجد الآية 8 من المزمور 75 تقول : ” لأَنَّ فِي يَدِ الرَّبِّ كَأْساً وَخَمْرُهَا مُخْتَمِرَةٌ. مَلآنَةٌ شَرَاباً مَمْزُوجاً. وَهُوَ يَسْكُبُ مِنْهَا. لَكِنْ عَكَرُهَا يَمَصُّهُ يَشْرَبُهُ كُلُّ أَشْرَارِ الأَرْضِ.

ثم نجد بعد ذلك الآية 65 من المزمور 78 تقول : “ فَاسْتَيْقَظَ الرَّبُّ كَنَائِمٍ كَجَبَّارٍ مُعَيِّطٍ مِنَ الْخَمْرِ. “

و التشابه عند هذه النقطة الأخيرة التي سوف أذكرها، يتجاوز إمكانية الصدفة، حين يظهر”بعل” في أناشيده و هو غاضب من عدم وجود بيت له مثل بقية الآلهة، فأرسلفي طلب الآلهة “عنات” لتطلب من رئيس مجمع الآلهة و كبيرها الإله “إيل” أن يبني له بيتا كبقية الآلهة الأخرى فيقول :

أريد بيتاً مثله لم تر السماء
قصراً مثله لم ير الناس
مسكناً مثله لم تر الجماهير”. 

بينما نجد سفر صموئيل الثاني يقول واصفا حديث يهوه إلى لداوود :

وَفِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ كَانَ كَلاَمُ الرَّبِّ إِلَى نَاثَانَ:
«اِذْهَبْ وَقُلْ لِعَبْدِي دَاوُدَ هَكَذَا قَالَ الرَّبُّ: أَأَنْتَ تَبْنِي لِي بَيْتاً لِسُكْنَايَ؟
لأَنِّي لَمْ أَسْكُنْ فِي بَيْتٍ مُنْذُ يَوْمَ أَصْعَدْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ إِلَى هَذَا الْيَوْمِ، بَلْ كُنْتُ أَسِيرُ فِي خَيْمَةٍ وَفِي مَسْكَنٍ.
فِي كُلِّ مَا سِرْتُ مَعَ جَمِيعِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، هَلْ قُلْتُ لأَحَدِ قُضَاةِ إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ أَمَرْتُهُمْ أَنْ يَرْعُوا شَعْبِي إِسْرَائِيلَ: لِمَاذَا لَمْ تَبْنُوا لِي بَيْتاً مِنَ الأَرْزِ؟

تمثال من البرونز المطلي بالذهب يمثل الإله الكنعاني "إيل" جالسا فوق عرشه، تم العثور عليه بمنطقة تل مجيدو الواقعة حوالي 30 كيلومترا جنوب مدينة حيفا الإسرائيلية، و يوجد حاليا بمتحف القسم الشرقي بجامعة شيكاغو بالولايات المتحدة الأمريكية.
تمثال من البرونز المطلي بالذهب يمثل الإله الكنعاني “إيل” جالسا فوق عرشه، تم العثور عليه بمنطقة تل مجيدو الواقعة حوالي 30 كيلومترا جنوب مدينة حيفا الفلسطينية المحتلة، و يوجد حاليا بمتحف القسم الشرقي بجامعة شيكاغو بالولايات المتحدة الأمريكية.

كل هذا التشابه في الصفات ليس عبثيا و لا مصادفة، بل هو من صميم الأصل التاريخي لإله العهد القديم “يهوه”، و هذا يضعنا وسط مشهد عجيب نرى فيه يهوه و هو يأخذ لنفسه صفات الإله الكنعاني “بعل” واحدة تلو الأخرى، فالكنعانيون أنفسهم في أوغاريت قد عبدوا آلهة سموها ب “الشداي” و “العليون” أو “إيل“، بينما نجد كتبة التوراة أو العهد القديم لم يترددوا في أخذ هذه الأسماء و إسباغها على الإله “يهوه” ، و هذا في حد ذاته هو أصل عملية إنتحال الصفات بين آلهة كنعان و آلهة يهوذا و السامرة، فعندما ينتحل “يهوه” صفات “بعل” و “الشداي” و “العليون” و “إيل”فهو بذلك يلغي الحاجة لوجود هذه الآلهة من الأصل، و يتفرد بنفسه في الصفات الجامعة لكل الآلهة التي كان يقبل بها من قبل و يتعايش معها في البانثيون الكنعاني، و بالتالي فوجوده كإله واحد متفرد يلغي وجود بقية الآلهة الكنعانية التي أخذ كل صفاتها، و هنا بدأت قصة التوحيد و بدأت معها الديانة اليهودية.

في الجزء الثالث من هذا البحث، سوف نتابع بالتفصيل ذلك التماثل الكبير بين الآلهة الكنعانية في أوغاريت و طقوس عبادتها، و بين المفاهيم الدينية التي جاءت بها اليهودية.

مهدي بوعبيد

12/07/2017

كتاب الموتى الفرعوني و أسطورة البعث من الموت و الحساب أمام الآلهة

إن إحتقار الكهنوت الإسلامي لباقي الأديان لكونها إما محرفة أو مبنية على مجموعة من الأساطير القديمة والخرافات التي لا يوجد لها إثبات مادي ملموس، يجعل الإسلام يظهر و كأنه مثبت علميا بتجارب مخبرية موثقة ومؤكدة، بينما الحقيقة هي أنه يحتضن في طياته نفس الحمولة الأسطورية و نسبة كبيرة من الخرافات و المرويات القديمة التي اقتبسها من حضارات و أمم و شعوب سبقته بآلاف السنين، بل حتى الفكرة الرئيسية المتمثلة في البعث بعد الموت و الحساب و المكافأة بالجنة أو العقاب بالجحيم ليست خاصة بالإسلام أو بالأديان الإبراهيمية، بل هي موروث أسطوري قديم عرفته شعوب و حضارات سبقت ظهور الأديان بآلاف السنين، ولعل أبرز أسطورة تهتم بمفهوم البعث و الحساب هي تلك التي وردت بالتفصيل في ما يسمى بكتاب الموتى الفرعوني و الذي يعرف أيضا ببردية “حونفر – Hunefer”.

Hunefer Papyrus
جزء من بردية “حونفر” Hunefer (حوالي 1275 قبل الميلاد) تبين عملية وزن قلب حونفر في الميزان والمقارنة بريشة ماعت (الحقيقة والعدل) ويقوم بها الإله أنوبيس, بينما يقوم الإله تحوت بتسجيل نتيجة الميزان.

هذا الكتاب يتكون من مجموعة مفصلة من التعاويذ والتمائم السحرية التي كانت تنقش على جدران المقابر أو على التوابيت و ذلك إبان عصر الدولة القديمة (ما بين 2780 ق.م و 2263 ق.م)، لتتحول إلى بردية مكتوبة خلال عصر الدولة الوسطى و الحديثة (ما بين 2134 ق.م و 1069 ق.م)، حيث تكتب نصوص التعاويذ و توضع البردية في التابوت إلى جانب المومياء.

و قد كان كل مصري قديم ذو شأن معين حريصا على تكليف الكهنة خلال تحنيطه ودفنه بتجهيز كتاب الموتى الخاص به، بحيث يذكر فيه إسمه و إسم أبيه واسم أمه ووظيفته في الدنيا، وذلك استعدادا ليوم وفاته وتجهيز طقوس نقله إلى مقبرته، و لم يكن هذا الأمر متوفراً لكل المصريين ﻷنه مكلف جدا لذلك اختصت به طبقة معينة من النبلاء و الموظفين و خدام الآلهة في المعبد.

تلك التعاويذ والتمائم التي يحملها الكتاب هي تعليمات إرشادية تمكن الميت من تخطي العقبات والمخاطر التي ستصادف روحه في أثناء رحلتها إلى الحياة الأخرى، وتدله أيضا على الوسائل التي يتعين عليه أن يستخدمها ليتمم هذه الرحلة بنجاح من دون أن يتعرض لأي سوء.

توجد في كتاب الموتى عادة صورة لأوزيريس جالسا على عرشه في الآخرة وإلى الخلف تستند إليه أختاه إيزيس ونفتيس، وأمامه أبناء إبنه حورس الأربعة الصغار ليساعدوه في حساب الميت. و قد كان تصور المصري القديم أن الإله حورس سوف يأتي بالميت بعد نجاحه في اختبار الميزان ويقدمه إلى أوزيريس، ويُعطى لباسا جميلا ويدخله إلى الحديقة الغناء “الجنة”، و قبل ذلك لا بد من أن تتم عملية وزن أعمال الميت في الدنيا عن طريق وضع قلبه في إحدى كفتي الميزان وتوضع في كفة الميزان الأخرى ريشة “ماعت” وهي رمز “العدالة والأخلاق السوية”، فإذا كانت الريشة أثقل من قلب الميت، فمعنى ذلك أنه كان شخصاً طيبا في حياته و على خلق كريم فيأخذ ملبسا جميلا ويدخل حديقة “الجنة” حيث حقول الفردوس تتخللها الأنهار من تحتها ليعيش فيها راضيا سعيدا أبد الآبدين. أما إذا ثقل قلب الميت عن وزن الريشة فمعناه أنه قد كان في حياته شخصاً شريرا، و عندئذ يُلقى بالقلب و بالميت إلى حيوان خرافي يكون واقفا بجوار الميزان – اسمه “عمعموت” – رأسه رأس أسد وجسمه جسم فرس النهر و ذيله ذيل تمساح – فيلتهمه هذا الحيوان على التو وتكون نهايته.

Gods Tribunal - Hunefer Papyrus
محكمة الموتى, في الصف العلوي حيث يمثل الميت أمام محكمة مكونة من 42 قاضيا للإعتراف بما كان يفعله في حياته.

في جزء آخر من البردية يظهر الميت و هو يمثل أمام ما يسمى بمحكمة الموتى و هي مكونة من 42 قاضيا للإعتراف بما كان يفعله في حياته، في مقدمتهم “رع-حوراختي”. ونرى إلى اليمين أسفل منهم أوزيريس جالسا على العرش وخلفه تقف أختاه إيزيس و نفتيس وأمامه الأبناء الأربعة لحورس واقفون على زهرة البردي وقد قاموا بالمحافظة على جثة الميت في القبر، ثم يأتي حورس بالميت لابسا ثوبا جميلا ليمثل أمام أوزيريس ويدخل بعد ذلك الجنة. إلى اليسار نرى أنوبيس يصاحب الميت لإجراء عملية وزن قلبه، و في الوسط منظر عملية وزن القلب حيث يقوم الإله أنوبيس بوزن قلب الميت ويقارنه بريشة الحق “ماعت”، بينما يقف الوحش الخرافي “عمعموت” منتظرا التهام القلب إذا كان الميت خطاء عصيا، وفي نفس الوقت يقوم “تحوت” (إله الحكمة الذي علم المصريين القدماء الكتابة و الحساب) بتسجيل نتيجة الميزان بالقلم في سجله الأبدي.

و من الأجزاء الأساسية في كتاب الموتى دعاء خاص يدافع به الميت عن نفسه (ويسمى الاعتراف بالنفي)، حيث يقول :

“السلام عليك أيها الإله الأعظم إله الحق. لقد جئتك ياإلهي خاضعا لأشهد جلالك، جئتك ياإلهي متحليا بالحق، متخليا عن الباطل، فلم أظلم أحدا ولم أسلك سبيل الضالين، لم أحنث في يمين ولم تضلني الشهوة فتمتد عيني لزوجة أحد من رحمي ولم تمتد يدي لمال غيري، لم أكن كاذبا ولم أكن لك عصيا، ولم أسع في الإيقاع بعبد عند سيده. إني (ياإلهي) لم أوجع ولم أبك أحدا، وما قتلت وما غدرت، بل وما كنت محرضا على قتل، إني لم أسرق من المعابد خبزها ولم أرتكب الفحشاء ولم أدنس شيئا مقدسا، ولم أغتصب مالا حراما ولم أنتهك حرمة الأموات، إني لم أبع قمحا بثمن فاحش ولم أغش الكيل. أنا طاهر، أنا طاهر، أنا طاهر. وما دمت بريئا من الآثام، فاجعلني ياإلهي من الفائزين.”

Ani's Papyrus
نصين لمقولة الأبواب. في صف الرسوم العليا نجد “أني” وزوجته يواجهان سبعة أبواب لبيت أوزيريس. وفي صف الرسوم السفلي الزوجان يدخلان بيت أوزيريس من حقل الأشجار ويقابلون 10 من 21 من الأسرار السماوية وتقوم بحراستها كائنات شرسة كل واحد منها في صومعته.

يبين لنا كتاب الموتى لدي قدماء المصريين العقائد الدينية التي كانت تشغلهم طوال حياتهم. فلم يكن الموت لديهم جزءا لا ينفصل عن الحياة فقط وإنما كان لدى الناس آنذاك مفهوم آخر عن الموت والحياة الأخرى لا يختلف كثيرا عما نعتقده اليوم، و إن كنا نرى الموت كحتمية مرعبة نتجاوز التفكير فيها و الحديث عنها، فقدماء المصريين كانوا ينظرون إليه كجزء لا يتجزأ من مفهوم الحياة، ويستعدون له كما يجب للعبور نحو الحياة الأخروية، و هنا يأتي دور كتاب الموتى بما يحتويه من تعاويذ وتوجيهات للميت، تساعده على البعث والانتقال إلى الآخرة حيث يعيش فيها مثلما كان يعيش على الأرض ولكن بدون أمراض ولا تعب و لا كبر في السن، بل يكون في الآخرة رفيقا للآلهة يأكل ويشرب معهم في بعض المناسبات.

وهدف الميت كان الوصول إلى الحياة الأبدية في العالم الآخر، و رغم أن التصور لم يكن منطقيا لدى بعض الشعوب في تلك العصور، لكن تصور المعيشة في الآخرة لدى قدماء المصريين هو أن الميت الذي فعل صالحا في حياته وكان أمينا وصادقا يساعد الفقير والجوعان والعطشان، ويساعد الأرامل واليتامى، كان مثل هذا الإنسان يعيش طبقا لما أرادته له الآلهة من ” قواعد حياة سوية، ونظام عادل”، و من هنا يتم وزن قلبه وأعماله طبقا لما رمز له النظام المصري القديم ب “ماعت” آلهة الحق والعدل و النظام الكوني.

كتاب الموتي يحتوي على عدة فصول، تصف وتشير إلى الآتي :

– وقاية الميت من الشياطين والأرواح الشريرة والثعابين وغيرها.
– تعرف الميت عند البعث الطريق إلى الآخرة.
– تساعده على عبور بحر النار، والصعاب التي تهدده.
– تسمح له بالتردد بين العالم الأرضي والعالم الآخر.
– تساعده على الحياة في الآخرة.
-تساعده على الحصول على الماء والغذاء وتلقي الهبات والأضحية، وعطائها في العالم الآخر.
– تساعده على معرفة الأماكن في الآخرة، وتذكر أسماء الآلهة والأسماء الهامة (مثل إسم باب الآخرة).
– تساعده على معرفة الأبواب وأسمائها وتعاويذ فتحها والمرور منها والوصول إلى الآلهة وتعريف نفسه إليهم.

ورغم وجود بعض الإختلافات بين تصورنا في الحاضر عن الحياة الآخرة و رؤية الحضارات القديمة لمسألة الحياة بعد الموت، فلا نستطيع أن ننكر أنه توجد بين معتقداتنا ومعتقدات المصري القديم تماثلات كبيرة، ففي حين كان قدماء المصريين يعتقدون في البعث والمثول أمام هيئة قضائية مشكلة من 42 قاضيا يعترف الميت أمامهم بأنه لم يسرق، ولم يقتل أحدا، ولم يكذب، ولم، ولم، وكل ما لم يكن يفعله من سيئات في حياته في الدنيا، نجد أن الديانات الإبراهيمية الثلاث التي ظهرت بعد الحضارة المصرية القديمة، تتفق بكل مذاهبها و توجهاتها على فكرة رئيسية يقوم عليها مبدأ الإيمان، و هي مسألة البعث بعد الموت و الحساب بين يدي الإله الخالق لكل شيء، و إذا ما أزيلت هاته الفكرة الأساسية، ينهار بناء الأديان كليا، و تنتفي الحاجة إلى الإيمان بالآلهة، ما دامت لن تعيد تصحيح الموازين المختلة في الحياة الدنيا و تقيم العدل المطلق و الأبدي في الآخرة و تكافئ الطيبين و تعاقب الأشرار.

كما ترون فإن التشابه بين الأساطير المصرية القديمة و ما تذكره الكتب المقدسة للديانات الإبراهيمية فيما يخص مفهوم الحياة الآخرة والبعث بعد الموت و الوقوف بين يدي الآلهة من أجل الحساب و المكافأة أو العقاب على ما سبق من حياة الإنسان، يصل إلى درجة من التشابه تتجاوز حدود التناص الأدبي، إذ يبدو من الواضح والمؤكد اليوم أن الأديان الإبراهيمية قد اقتبست هاته التفاصيل بحذافيرها لتغير فقط تعدد الآلهة بمفهوم التوحيد و تترك الباقي كما هو في غالبيته.

و يبقى السؤال الأزلي مطروحاً من جديد : من اقتبس من الآخر … ؟؟!!!

ملحوظة : بردية حونفر (Papyrus of Hunefer), تخص الكاتب الخاص للفرعون سيتي الأول و قد كان إسمه حونفر و يعتقد أن البردية تعود للعام 1300 قبل الميلاد، وهي موجودة حاليا في المتحف البريطاني.

مهدي بوعبيد
23/06/2015