محمد والبحث المحموم عن التحالفات السياسية … براغماتية نبي … !!!‎

عند محاولة دراسة و تحليل التاريخ الإسلامي المدون، تخرج بخلاصة أساسية مفادها أن مصداقية كل ما كتب من تفاصيل في هذا التاريخ تساوي صفرا المفهوم العلمي، بداية مما كتب من سيرة محمد و تفاصيل دعوته و حروبه وغزواته و صراعاته مع الملأ المكي و حتى وفاته، فالرجل يتجاوز تفاصيل التاريخ المنطقية ليتحول إلى أسطورة حقيقية، ترافقها أحداث و شخصيات تتجاوز حدود ما يعترف به العقل، لتخرج إلى فقاعة الغيبيات التي ما فتئت تتضخم مع كل محاولة للإحاطة بشخصيته.

تاريخنا لم يكتب كشهادة على عصور معينة برواية تفاصيل الأحداث و الشخصيات و تقاطعاتها و صراعاتها السياسية و الدينية و الاجتماعية و الاقتصادية، بل ارتبط دوما برغبة محمومة في تعظيم شأن هاته الشخصيات في كل فترة زمنية ظهرت فيها وذلك عبر إحاطتها بسياج عال من الأساطير و الأفعال و الأقوال التي يعجز العقل عن القبول بها كجزء من الواقع. و البداية كانت مع محمد بالذات، فقراءة السيرة النبوية مهمة مضنية و معقدة من فرط المجهود الضخم الذي قد يبذله كل من يسعى لفهم الأحداث بمنظور العقل المتجرد و الموضوعي، ناهيك عن التضخم الغير مبرر في كم الكتب و النصوص التي تتحدث عن الرجل، و تزخر بكمية مرعبة من التفاصيل و التقاطعات المتناقضة فيما بينها.

منمنمة فارسية قديمة تصور محمد و هو يلقي خطبة حجة الوداع
منمنمة فارسية قديمة تصور محمد و هو يلقي خطبة حجة الوداع

محمد كشخص قد تجاوز الحدود البشرية في التاريخ الإسلامي ليتحول إلى أسطورة ضخمة و متعددة الصفات و الأوجه، فمن جهة لا يمكننا أن ننكر أن الرجل قد كان بالدرجة الأولى ثائرا و متمردا على المفاهيم والنظم الإجتماعية و الدينية للمجتمع الذي ولد ونشأ فيه، و هو بهذا الشكل قد يحمل صفة المصلح الديني و الإجتماعي مثل العديد من الشخصيات التي سبقته (زرادشت، بوذا، ماني .. )، لكنه كان في نفس الوقت رجل سياسة براغماتي جدا و انتهازي بشدة في مراحل متعددة من صراعه مع قريش وسادتها، وهي المعارض الأول لمحاولته الإصلاحية، بل حتى مع قبائل يهود يثرب و زعمائها، فقد سعى محمد لتشكيل التحالفات السياسية و العسكرية و الإقتصادية حتى مع أولئك الذين كان يعرف يقينا أنهم يعادون حركته في سرهم و يظهرون له غير ما يبطنون، فدعوته لرهط من أصحابه للهجرة للحبشة لم تكن سوى سعيا وراء إمكانية تحقيق تحالف سياسي مع ملكها أصحمة ابن أبجر الملقب بالنجاشي، و ذلك باعتباره أقرب سلطة سياسية جغرافيا لمكة، و لما لا تحالف عسكري يدعمه في صراعه مع الملأ المكي، لكن المحاولة باءت بالفشل لكون ملك الحبشة لم يشأ أن يفقد علاقاته التجارية و تحالفه مع سادة قريش، بل و  حتى هجرته من مكة إلى المدينة لم تكن إلا نتيجة مباشرة لتحالف سياسي مع قبيلة الخزرج القوية في المدينة، و أبلغ دليل على هاته الحقيقة هو كونه قد اختار النزول عند أخواله من قبيلة بني النجار الخزرجية، و رغم أن البعض قد يتحجج بكون محمد لم يكن له أخوال مباشرون أي بمعنى أشقاء فعليون لأمه آمنة بنت وهب، لكن درج العرف عند العرب حينها ( ولا زال حتى اليوم ) في اعتبار جميع رجال القبيلة التي تنحدر منها الأم أخوالا.

و من الجدير بالذكر أن هاته الهجرة قد سبقتها محاولات متكررة للحصول عى مشروعية سياسية و اجتماعية لدى قبائل أخرى مجاورة لمكة، و لعل أبرزها هي محاولته الحصول على الدعم لدى قبيلة ثقيف في منطقة الطائف جنوب شرق مكة، و هي قبيلة منافسة لقريش من الجانب الاقتصادي، و قد عرفت بالزراعة كنشاط إقتصادي أساسي، و بالتالي كانت علاقة الملأ المكي و سادته بها علاقة حيوية من حيث الحاجة للغذاء في مكة القاحلة التي لا ينبت فيها زرع، لكن المحاولة فشلت عندما تعرض محمد هناك للإهانة و الضرب رغم أنه قد عرض على سادتها أن تحتضن الطائف دعوته التي رفضتها قريش و رفضها سادة مكة، بل و حتى عندما طلب من سادة ثقيف أن يخفوا أمر قدومه لديهم عن قريش لم يجيبوه إلى ذلك إمعانا في الإهانة، و في طريق عودته إلى مكة توقف للمبيت ليلا في واحة و قام للصلاة، فنزلت عليه الآيات التالية من سورة الجن : ” قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ ۖ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا (2) “ فعاد إلى رفيقه في الرحلة زيد ابن حارثة (كان إبنه بالتبني حينها) ليحدثه بكون الجن قد إستمعوا إليه و هو يقرأ القرآن في صلاته، و إذا ما تعاملنا مع هذه القصة بشكل موضوعي و متجرد فسوف نجد أن هذا التصرف و الإدعاء الغريب ليس له إلا معنى واحد، فالرجل قد ذهب يبحث عن الدعم المادي و المعنوي لدى قبيلة من سادة العرب، لكنه أهين  و طرد شر طردة،  و بالتالي فادعاءه بأن الجن يستمع له و هو يقرأ القرآن و يقتنع بدعوته لهو في نهاية الأمر تعويض نفسي عما وقع له عند ثقيف التي إحتقرت دعوته و رفضت دعمه، فالبشر الجاحدون يرفضونه بينما الجن و هم مخلوقات خارقة يستمعون لقرآنه خفية في ظلمة الليل و يتخشعون من فرط التأثير، و حتى عند عودته لمكة بعد رجوعه من الطائف لم تكن لمحمد الجرأة على دخولها و هو عائد إلبها مطرودا و مهانا، فتوقف خارج المدينة و أرسل برجل من قبيلة خزاعة إلى رجل من سادة قريش يدعى المطعم بن عدي و هو من بني عبد مناف، أي من نفس نسب محمد، ليطلب منه أن يجيره ليدخل مكة تحت حمايته، و هو ما كان، و يروي ابن سعد في طبقاته الكبرى القصة كما يلي : ” ودعا المطعم بنيه وقومه فقال: «تلبسوا السّلاح وكونوا عند أركان البيت فإني قد أجرت محمدًا»، فدخل محمد ومعه زيد بن حارثة حتى انتهى إلى المسجد الحرام فقام المطعم بن عدي على راحلته فنادى «يا معشر قريش إني قد أجرت محمدًا، فلا يهجه أحد منكم» فانتهى النبي محمد إلى الركن فاستلمه وصلى ركعتين وانصرف إلى بيته والمطعم بن عدي و ولده محيطون به “.

رسم عثماني لحادثة قتل النضر ابن الحارث لى يد علي ابن أبي طالب عقب أسره في معركة بدر
رسم عثماني لحادثة قتل النضر ابن الحارث على يد علي ابن أبي طالب عقب أسره في معركة بدر

و قد تلت هاته المحاولة مع ثقيف محاولات أخرى مع عدة قبائل أخرى، حيث كان محمد يترصدها في مواسم الحج و يلتقي بسادتها عارضا أمره عليهم لعله يحصل على تحالف يدعم دعوته، و قد حاول مع بني حنيفة و كندة و هم من سادة العرب آنذاك، لكنهم لم يستجيبوا لدعوته, أما بنو عامر فقد اشترطوا عليه أن يكون الملك لهم من بعده لكنه رفض، و قد استمر في محاولاته الدؤوبة موسما بعد موسم حتى كانت بيعة العقبة الأولى ثم الثانية التي انتهت بتحالف مباشر مع الأوس و الخزرج و هو التحالف الذي كان يحقق مصلحة القبيلتين معا في مواجهة يهود يثرب و نواحيها.

و في مرحلة أخرى بعد هجرته ليثرب لم يتردد محمد في التحالف مع من كانت العرب تسميهم بالصعاليك، و هم عصابات من المجرمين و القتلة و اللصوص الذين طردتهم قبائلهم وسموا بالـ (الخلعاء)، و قد تجمعوا فيما بينهم مشكلين جماعات صغيرة تمتهن قطع الطريق على قوافل الحج و التجارة و غزو مرابض القبائل و قطعان الإبل، و كانوا يتنقلون بحرية بين دروب الصحراء، يحترفون القتل و الخطف و السبي، مما شكل منهم قوة مرعبة بالنسبة للعرب حينها، و قد كان أشهرهم هو الصحابي أبو ذر الغفاري، وهو من أعتى صعاليك عصره وينتسب إلى قبيلة غفار المشهورة باحتراف قطع الطرق على القوافل لسرقتها و نهبها.

و في حركة شديدة البراغماتية سياسيا و عسكريا لجأ محمد إلى التحالف معهم لأنه فهم أنهم قوة عسكرية تشبه المرتزقة و لهم خبرة كبيرة بمسالك الصحراء و طرق القوافل التجارية، و سوف يساعدونه في حربه مع قريش و خاصة في الإغارة على الآبار و محطات توقف قوافل تجارتهم، فالرجل قد هاجر خارج المدينة مع أتباعه و أصحابه تاركين أموالهم و أراضيهم و أملاكهم، و بات في حاجة لمداخيل مادية كبيرة لكي يوفر لهم معيشة قارة و لكي يستطيع تسليحهم و إعدادهم لمعاركه.

و قد جاء في الطبقات الكبرى، لابن سعد في الجزء الأول، ص155 : “كتب رسول الله صلعم لجُمّاع كانوا في جبل تهامة قد غصبوا المارة من كنانة ومُزينة والحكم والقارة ومن اتبعهم من العبيد، و قد وفدَ منهم وفدٌ على النبي فكتب لهم رسالة قال فيها :

“بسم الله الرحمن الرحيم, هذا كتاب من محمد النبي رسول الله لعباد الله العتقاء, أنهم إن آمنوا و أقاموا الصلاة و آتوا الزكاة فإن عبدهم حرّ, و مولاهم محمد، و من كان منهم من قبيلة لم يردّ إليها, و ما كان فيهم من دم أصابوه أو مال أخذوه فهو لهم، و ما كان لهم من دين في الناس رُدّ إليهم, و لا ظلم عليهم و لا عدوان و إن لهم على ذلك ذمة الله و ذمة محمد والسلام عليكم”.

لوحة منمنمات فارسية يرجع تاريخها للعام 1550 تتوقع النبي محمد و هو يركب البراق في رحلة المعراج.
لوحة منمنمات فارسية يرجع تاريخها للعام 1550 تتوقع النبي محمد و هو يركب البراق في رحلة المعراج.

ها هو النبي إذن يضع معالم تحالف قوي مع عصابة من المجرمين و قطاع الطرق، فيضع نفسهم في مقام مولاهم (سيدهم و زعيمهم)، و يؤمنهم بعدم إعادتهم لقبائلهم عنوة، و جعل جرائمهم من القتل و السرقة و السلب و النهب و السبي فعلا مشروعا لهم، بل زاد على ذلك بأن جعل لهم في أعناق الناس دينا رغم كونهم في عرف القبائل مجرد مجرمين يحترفون السرقة و قطع الطريق، بل و جعلهم في ذمته مما يعني أن كل من يحاربهم يحاربه و يستعديه، و كل هذا طبعا مشروط بأن يقروا بنبوته و يتبعوا دعوته و يطبقوا طقوس الدين الجديد، و ها هو محمد هنا يتصرف بسياسة منفعية خالصة و هو يتحالف مع عصابات من القتلة و اللصوص لكي يقوي بهم دعوته و يسيرهم لاعتراض قوافل قريش المتجهة إلى الشام، فهو يعلم جيدا أن لا سبيل له لإقناع أنصاره في يثرب للخروج وراء قوافل قريش لمهاجمتها، خاصة و أن حلفه معهم لا يتضمن الدفاع عنه خارج حدود يثرب ( في معركة بدر لم يخرج معه أكثر من ثلاثمائة و عشرون رجلا، مع العلم أنه قد هاجر معه أكثر من مئتين من أصحابه من مكة)، و لهذا لجأ إلى عصابات الصعاليك، فهم ليسوا بحديثي عهد بقطع الطرق و السرقة و القتل، و لهذا استخدمهم كمرتزقة في حربه مع قريش.

يقول المؤرخ الكبير د. جواد علي في كتابه : المفصّل في التاريخ، الجزء التاسع، ص 602 : “والصعاليك حاقدون على مجتمعهم، متمردون عليه لا يبالون من شيء و لو كان سلباً و نهباً و قتل أبناء عشيرتهم، لأنهم خلعوا منه و كل ما تقع أعينهم عليه، و هو مفيد لهم نافع، و من حقهم انتزاعه من مالكه، و إن كان مالكه فقيراً معدماً مثلهم…و يرون الخلاص من هذا الذل بالحصول على المال بالقتل و السيف، فمن استعمل سيفه نال ما يريد، لا يبالي فيمن سيقع السيف عليه، و إلا عدّ من العيال“، و دعونا نتأمل في حديث لمحمد يتوافق تماما مع توجه الصعاليك، أليس هو القائل : “من قتل رجلا له عليه بينة فله سلبه“، و ما البينة هنا إلا الفرق بين من آمن بدعوته و صدق نبوته و اتبعه، و إلا كان كافرا يحل دمه و ماله و عرضه، و هذا بالضبط هو صميم العهد بينه و بين عصابات الصعاليك التي تقوى بدعمها على المضي في أمره.

و بالإضافة إلى كل ما سبق، فمن الضروري أن نعرج على سعي الرجل للحصول على السلطة السياسية الفعلية في يثرب، فقد كانت له مواجهات عنيفة مع القبائل اليهودية هناك أو من سماهم في القرآن ببني إسرائيل، فبعد هجرته للمدينة وجد محمد أن لليهود فيها تواجدا قويا على المستوى الإقتصادي أولا، فهم أصحاب تجارة كبيرة و متشعبة تتوزع بين الفلاحة و التمور و صناعة و بيع السلاح التي لم يكن العرب يتقنونها حينها، إلى جانب إمتلاكهم لمزارع و أراضي شاسعة في المدينة و خارجها حول حصونهم، أما  على الجانب السياسي فقد كانت قبيلة بني قينقاع حليفة لقبيلة الخزرج بينما قبيلة بني النضير و بني قريظة حلفاء لقبيلة الأوس، و لأن محمدا قد كان ضيفا جديدا على يثرب فقد كان يعي ببراغماتيته الشديدة أن اليهود عنصر أساسي في المعادلة السياسية الجديدة التي أصبح يتحرك داخلها، كما كان  يعي أيضا أنه بحاجة لمساندتهم في مواجهته مع قريش التي بات يهاجم قوافلها المتجهة من مكة إلى الشام شمالا و التي تعبر على طريق يثرب، و بالتالي فهو في حاجة لدعمهم المادي سواء بالمال أو بالسلاح، و لا عجب هنا أن نجد القرآن قد خصص لهم عشرات الآيات التي يتودد فيها إلى بني إسرائيل حيث وصف فيها رسلهم و أنبياءهم و ما أنزله الله إليهم في التوراة مؤكدا على كون نبوته هي إستكمال إلهي لما فضل به الله بني إسرائيل على العالمين، و مدحهم بكونهم أهل إيمان و صلاح و تقوى خصهم الله بشرائعه قبل باقي الأمم و الشعوب، لكن مع ذلك ظل اليهود على موقفهم من محمد يرفضون التعامل معه على أساس كونه نبيا مرسلا من الله و بكتاب منزل بالوحي، فهم يرون أن النبوة فضيلة إلهية كبرى مرتبطة بالعرق أولا،  و مقدسة ثانيا، فقد خصهم الله بها دونا عن باقي البشر و هم لم يعترفوا بعيسى المسيح الذي إعتبروه كاذبا و مدعيا فكيف يعترفون بمحمد بعده بأكثر من 6 قرون، و حينها إدعى محمد أنه مذكور عندهم بصفته و إسمه في التوراة أو العهد القديم، لكنهم حرفوا كتبهم لينكروا نبوته و يكذبوا على الله و يجحدوا دعوته لهم بالحق، و بعد هذه النقطة مباشرة جاءت دعوة محمد المباشرة ليهود يثرب للدخول في الأسلام، حيث تذكر سيرة إبن هشام أنه بعد عودته من معركة بدر مزهوا بإنتصاره على قريش، جمع اليهود في سوق بني القينقاع فقال : ” يا معشر يهود أسلموا قبل أن يصيبكم مثل ما أصاب قريشا “، فأجابوه قائلين : ” يا محمد لا يغرنك من نفسك أنك قتلت نفرا من قريش كانوا أغمارا لا يعرفون القتال، إنك لو قاتلتنا لعرفت أننا نحن الناس و أنك لم تلق مثلنا “،و قد كانت هاته الحادثة بمثابة الباب المفتوح للمواجهة المباشرة بين محمد و القبائل اليهودية الثلاث التي تستوطن يثرب و ضواحيها.

و قد تلتها معركة و حصار على حصون بني قينقاع إنتهت بطردهم من حصونهم و إجلاءهم عن يثرب تاركين بيوتهم و أراضيهم و أموالهم غنيمة للمسلمين، و لولا تدخل عبد الله بن أبي سلول الذي أجبر محمدا على إخلاء سبيلهم لكان مصيرهم مشابها لمصير بني قريضة، فقد حاصرهم محمد بجيشه بعد غزوة الأحزاب، بعد أن إتهمهم بالخيانة و التحالف مع قريش ضده، و إنتهى الحصار كما نعلم بتلك المذبحة البشعة التي أهلكتهم، حيث قتل محمد رجالهم، حتى الأطفال ممن بلغوا الحلم، و باع من تبقى من نساءهم و أطفالهم كعبيد في أسواق اليمن و البحرين، و اشترى بثمنهم الخيل و السلاح ليجهز العدة لغزو مكة.

و ما إن مكنت السلطة لمحمد بفتح مكة و ضمن سيطرته على أغلب قبائل نجد و الحجاز، حتى أمر بإخراج من سماهم بالمشركين و النصارى و البهود من جزيرة العرب، و تلك كانت آخر وصاياه و هو على فراش الموت.

كل هاته الأحداث التي فصلتها أعلاه تبين أن محمد قطعا لم يكن رجلا عاديا، بل كان شديد الذكاء و لم يتوانى لحظة واحدة عن انتهاز أية فرصة تمنحه التفوق السياسي و العسكري و تحقق له الموارد الإقتصادية و المالية التي تسمح له بمد دعوته بين قبائل العرب، حتى و هو يتحالف مع المجرمين و قطاع الطرق في تصرف مشين لا يليق بمقامه كنبي و مصلح ديني و إجتماعي، لكن المشكلة الأساسية هنا هي أن الطريقة التي كتب بها التاريخ الإسلامي كما نعرفه لا تسمح بتاتا بالتعرف على هاته الجوانب المهمة و المفصلية من حياة الرجل وةتاريخ دعوته، و لا تسمح بدراستها و تحليلها بالطريقة المجردة و الموضوعية التي تخرجه من ذلك البعد الأسطوري الذي أضفاه عليه كناب السيرة و المؤرخون العرب و المسلمون، هذا البعد قد حول محمد لشكل من أشكال الميتاتاريخ، حيث يتجاوز الرجل وجوده كبشر ليتحول إلى شخص مقدس خارج من عمق الغيبيات التي بني عليها الإسلام كدين، و خصه الله باصطفاء سماوي يرفعه إلى مراتب تتجاوز قدرات البشر العادية، فتصبح كل تصرفاته و اختياراته و قراراته مجرد تطبيق لإرادة إلهية حتى و إن كانت مجرد خيارات بشرية محضة تصيب و تخطئ، بل و تلجأ أحيانا لقمة الإنتهازية للوصول لأهداف بعينها.

مهدي بوعبيد

19/03/2018